الزائر للحرمين الشريفين بمكة والمدينة لا بد أن تستوقفه فيهما وحولهما عظمة رسالة الإسلام، وروعة تأسيسه، وبناء حضارته؛ لتحلق ذاكرة الزائر في فضاء تاريخي مذهل لهذا المجد الإسلامي بقرونه الأربعة عشر؛ ليمر الزمن سريعاً بين صلواته وتلاواته، إلا أن ما يلفت انتباه المصلي أو الزائر وهو يدلف من أبواب الحرمين أو يخرج منها عبوس وجوه جل الحرس على الأبواب وغلظتهم في الأوامر، بل زجرهم للناس دون مبرر.
وقد لا يقف الحد عند هذه التصرفات من هؤلاء الحرس الذين جيء بهم من أجل التوجيه والمساعدة والعظة، إلا أن هؤلاء يسعون جاهدين إلى إشعار الناس بأنهم على خطأ ما! وأن في تصرفات من حول الحرم تتطلب هذا الزجر والتعسف، وقد يتوقعون من الجميع نذر شر ما، أو اقتراف مخالفة مستترة، أو حدوث مصيبة وشيكة.. وكأن هؤلاء الحرس سجانون، يشعلون بأفئدتهم التوجس والريبة مما قد يظنون أنها مخالفات محتملة، أو سلوك غير سوي قد يحدث في أي لحظة.
نحن نشاطر مَن يقف إلى جوار تصرفاتهم أنهم بالفعل لا يميزون بين مَن ينشد الحق أو يريد الباطل؛ لأن الناس في اليقين لا يحملون أي علامات في وجوههم.. إلا أنك تمتعض حينما يدفع هؤلاء الحجاجَ والمعتمرين المصلين عند أبواب الحرمين دفعاً، ليس لأنهم مخالفون للتعليمات التي لا نعرف عنها كثيراًَ إنما نرى أن هؤلاء الحراس يتصرفون ربما وفق حكمهم المستريب من الجميع.
فقد لا يجد أحد هؤلاء ما يمنعه من أن يتجرأ عليك ويسلبك أي أدوات تمتلكها من قبيل الكاميرا أو الهاتف المحمول بحجة المخالفة؛ لأنك التقطت مع عائلتك صورة خلفيتها قبة قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو قمت بتصوير صحن الحرم، فلا نعرف أنها مخالفات شديدة الجرم؛ ليتجرأ عليك هؤلاء المتجهمون؛ ليسلبوك هذه الحميمية بينك وبين أقدس بقاع الدنيا.
قد تدخل في صراع وجدل وتسبب إزعاجاً لمَن حولك بغية المجادلة بالحسنى مع هذا الذي يتجرأ على كل مَن حوله بمشاعر جامدة وبجرأة عنيفة وبظنٍّ مسبق أن الجميع يحملون نوازع الشر، والعياذ بالله؛ فنحن نعلم أننا وهؤلاء الضيوف البسطاء قدمنا من أماكن قريبة وبعيدة، وتجشمنا عناء السفر، ودفعنا مالنا في الفنادق الفاحشة الغلاء، والتعب في البحث عن مواقف مناسبة لمركباتنا، وحينما تأتي إلى أعز ما في الوجود ستجد مَن يعبس بوجهك ويشيح عنك أو حتى لا يعبأ بأمرك وبأمر حديثك.
وأمر الفظاظة والغلظة يوجد أيضاً عند الحرس من النساء على أبواب الحرمين؛ فهيئاتهن تعكس التشدد وتلقي التوجيهات الصارمة؛ فلا مانع لدى أي واحدة منهن أن تمثل بمَن حولها من مصليات بألوان من الزجر والازدراء والتجاهل لأي فعل إنساني.
فهؤلاء يعكسون صورة سيئة عنا نحن أبناء المملكة التي تقع أطهر الأماكن فيها؛ لأن مَن يستقبلهم بهذا التجهم سيصور لهم لا محالة أننا جميعاً بلا مشاعر وبلا أحاسيس؛ لأن من أبسط قواعد أدب الاستقبال أن نعكس عمق مشاعرنا نحن أبناء الحرمين الشريفين الذين نفخر بهذه الصروح الإنسانية الخالدة.. فكم يؤلمنا أن يكون حرس أبواب هذه المقدسات بهذه القسوة وبهذا التجهم غير المبرر.
hrbda2000@hotmail.com