لا جدال في أن نهائيات كأس العالم إنما تمثل العرض الأفخم والأخير للوحة إبداعية يمتد الإعداد والعمل على رسم خطوطها وملامحها ومزج ألوانها لأربع سنوات متواصلة؛ كي تظهر بالمظهر الذي يواكب شغف الانتظار والترقب طوال كل تلك المدة.
|
بمعنى أن نهائيات كأس العالم هي عصارة ومحصلة جهد أممي دؤوب تشارك في التحضير له معظم بلدان العالم، سواء من خلال خوض غمار التصفيات أو من خلال المشاركة النهائية لمَن يحالفه الحظ في نيل شرف المشاركة.
|
هذه التظاهرة الرياضية الكونية.. لا تتوقف جوانب الإبداع فيها على الأداء العالي، وعلى ترقب ما قد تفرزه من نجوم ومن مفاجآت تتعلق بمواقع المنتخبات وحظوظها، وعلى مجرد الاستمتاع والفرجة..
|
ولكنها تشمل العديد والعديد من الجوانب الأخرى الجديرة بالترقب والمتابعة والدراسة بغية الاستفادة.
|
ففي تقديري أنه لا يجدر بنا الاكتفاء من المناسبة الكبرى بمجرد تقييم أداء المنتخبات والتحسر على هزيمة المنتخب الفلاني، والتساؤل: كيف فاز المنتخب العلاني؟ وانتقاد (صوير) من المدربين والثناء على (عوير).. على اعتبار أنهم أدرى بشؤونهم ولديهم من الخبرات والدراية ما يكفل لهم تقييم وتقويم أمورهم وأوضاعهم.
|
بقدر ما يجب تدوين مجمل الإيجابيات المبتكرة، سواء على صعيد كرة القدم وما يدور في فلكها من مستجدات مثمرة، أو على صعيد التنظيمات والكيفيات المتبعة في تطبيقها، ومن ثم العمل على الاستفادة منها بقدر الإمكان؛ ذلك أن الاستفادة من تجارب الآخرين هي ديدن العقلاء وطريقهم إلى بلوغ أعلى درجات النجاح.
|
وإنني على يقين تام بأن بلداناً آسيوية حريصة على تطوير مداركها وشؤونها لمواكبة متغيرات ومستجدات العصر كاليابان وكوريا والصين، قد أوفدت من كوادرها المتخصصة من يقوم برصد وتدوين كل شاردة وواردة على هامش مونديال جنوب إفريقيا بغرض الاستفادة القصوى من دروسه الكثيرة والمتعددة، وسترون نتائج ذلك في مقبل الأيام.
|
السؤال: هل استفدنا نحن من هذه المناسبة أم أننا اكتفينا منها بالمتابعة والمشاهدة والانبهار والتعليق (؟!!).
|
|
في أوج مباراة إسبانيا وألمانيا.. اقتحم أحد المشجعين الملعب، وبسرعة خاطفة انقض عليه رجال الأمن واقتادوه إلى خارج الملعب في عملية لا تستغرق أكثر من دقيقة.
|
اللافت في المشهد هو عدم تركيز الكاميرات الناقلة للمباراة على الواقعة.. فلم تسلط عليها الأضواء، ولم يتم استخدام أحدث تقنيات ال(زوم) لإبراز ملامح ذلك المقتحم وإنما اعتبرته مجرد (مطفوق) يبحث عن الأضواء والشهرة؛ فحرمته من تحقيق مبتغاه بتجاهله، ومرت الواقعة كما لو كانت مجرد (رمية تماس).
|
هذا المشهد أعادني إلى الوراء قليلاً لعقد مقارنة بينه وبين مشاهد مماثلة حدثت في ملاعبنا خلال المواسم القليلة الماضية، والفوارق الشاسعة في مسألة التعامل والتعاطي معها من قبل القنوات الناقلة (؟!).
|
عندنا تم اعتبار تلك المشاهد مادة دسمة يسيل لها اللعاب؛ ما يعني أنها جديرة بعناية فائقة تتمثل في الإحاطة بكل تفاصيلها وحيثياتها ونقلها على الهواء مباشرة مع قدر لا بأس به من التهويل (!؟).
|
وحبذا لو توقف الأمر عند هذا الحد من الاحتفاء والاحتفال.. بل يتجاوزه أحياناً إلى استضافة ذلك (المطفوق) في مقابلة تلفزيونية يشرح من خلالها مشاعره حول تجربته البطولية ودوافع اقتحامه الملعب.. مما يغري بقية (المطافيق) للتفكير في أخذ نصيبهم من الاهتمام والوهج الضوئي أسوةً بصاحبهم.. لذلك يتحينون أقرب فرصة ممكنة لخوض التجربة.
|
ولو تم تجاهلهم والتعتيم على تصرفاتهم من الأساس تماماً كما فعلت القناة الناقلة للمونديال.. لما شاهدناهم يتقافزون بتلك الصور في ملاعبنا، خصوصاً إذا يئسوا من تحقيق أحلامهم الصغيرة بالاشتهار عبر أقصر الطرق.. هذا عدا غياب الرادع القانوني المفترض لاجتثاث مثل هذه الممارسات الطائشة (؟!).
|
فهل نتعلم من هذه الواقعة ومما أحاطها من احترافية عالية (؟!).
|
|
بات من الواضح أن الاعتماد على السلع الرديئة والمقلدة على حساب الجودة والأصالة.. لم يعد ينحصر على السوق الاستهلاكية (؟!).
|
هذا الداء أخذ يضرب أطنابه في كثير من المجالات التي يفترض أن تكون أنقى وأنظف من التعاطي مع مثل هذا المسلك الرخيص كالصحافة مثلاً.
|
وتتعاظم البشاعة عندما يكون الحقد أو تأثيرات اختلاف الميول أو تصفية الحسابات.. هي الباعث لهذا السلوك السيئ (؟!!).
|
|
الدون لو يلبس من البز غاليه |
يظل دوني لو تقلّد مناصب |
|
|