هل يعقل أن تصاب ألمانيا البلد الذي يسير بانضباط ودقّة وخطط علمية مدروسة، بالغم والحزن قبل مباراتهم المصيرية أمام إسبانيا، فقط لأن السيد الاخطبوط»بول» حينما وضعوا أمامه وجبتين، إحداهما تحمل العلم الإسباني والأخرى تحمل العلم الألماني تحرّك تجاه الوجبة الأسبانية وأكلها بنهم، مما يعني أن النصر للإسبان، وهو الذي فعله من قبل حينما اختار الوجبة الألمانية بدلاً من الإنجليزية، وكذلك فعل مرة أخرى بدلاً من الوجبة الأرجنتينية، فانتصرت ألمانيا في هاتين المباريتين أمام إنجلترا بالأربعة، وأمام الأرجنتين أيضا بالأربعة! حتى نسي الألمان خططهم وانضباطهم التكتيكي، واستسلموا لخرافات السيد»بول»!
لو كان لدينا اخطبوط في السعودية، وأسميناه حمداً مثلاً، أو بما أن اسم»حمد» ارتبط بالكائن الصحراوي العظيم: الضب، فليكن هذا الكائن ضباً، وليس اخطبوطا، لأن ليس لدينا في هذه الصحراء الموحشة بحراً يعوم فيه الاخطبوط، بل صحراء يألف العيش فيها الضب الزاحف المدعو حمد، ولنفترض بأنه وقف أمام خيارات متعددة، بعدما صدّقنا أكذوبته وآمنا بها كما فعل الألمان مع اخطبوطهم، فما الذي سيختار بين خياراتنا المصيرية، أو مثلاً خيارات شاب تخرّج حديثاً من الثانوية العامة بنسبة لا بأس بها، وكتب تحت وجبتي شجر رمرام:»جامعة»، و»وظيفة»، فماذا سيختار الضب حمودي؟ شخصياً أشعر أنه سيحتار كعادته، ويعود دون أن يختار إحداهما، وقد يلتف على جذعه ويأكل»عكرته» من القهر، وهو يقول لنفسه:»ما يصير هالكلام؟ ليه ما حطوا خيار»بطالة» حتى أختاره!».
تخيّلوا لو كان صاحب الضب شابا طموحا لديه قرشان، ووضع تحت النبتتين كلمتي: سوق أسهم، وسوق عقار، وأطلق الضب نحوهما، فأطرق ملياً وهو يفكّر، ويحدّث نفسه: غريبة! ما فيه خيار سوق خضرة؟!
أما صاحب الضب الأخير فهو مريض، شفانا الله وإياكم، كان قد قرّر أن يعالج عند طبيب شعبي، فحلم في نومه بأنه عثر على سرير في مستشفى حكومي، وحالما استيقظ ركض نحو الضب حمد، وأطلقه نحو شجيرتي الرمرام، إحداهما كتب تحتها: مستشفى حكومي، والأخرى كتب تحتها: طبيب شعبي. توقف الضبّ بحيرة، وتلفت يميناً ويساراًَ، وظهر هذه المرة صوته الغليظ: يا جماعة، ما فيه خيار ثالث؟ أجابه المريض مذهولاً: مثل إيش يا حمد؟ أجاب وقد نكص على قوائمه البطيئة: ما فيه مقبرة مثلا؟!
أعتقد أن ضبنا الغاضب، لن يكون مثل اخطبوط الألمان الذي تآمروا عليه ونادوا بقليه لأنه خانهم، فلن يكون من حقنا أن نقبض على الضب حمد ونطبخه، فهو يرى أننا جهلة، ولا نعرف كيف نضع الخيارات المناسبة، لأن الخيارات يعني أن تكون كلها محتملة، وما كتبناه له كانت خيارات مستحيلة، أو شبه مستحيلة!
تعالوا إذن طالما أننا سنستمتع الليلة بنهائي المونديال بين هولندا وإسبانيا، ولنكتب للعم حمد هاتين الدولتين، لأنهما خيارات محتملة، بل لابد أن تتفوق إحداهما على الأخرى، تخيّلوا أن الضب نظر تجاه وجبة هولندا، فرأى روبن وشنايدر، ثم التفت نحو وجبة إسبانيا، فرأى أنيستا وديفيد فيا، مشى نحو هولندا بثقة، ثم توقف، وعاد إلى إسبانيا، لكنه أيضا توقف في المنتصف، وسأل بصوت عال: ممكن الاستعانة بصديق؟ أجبناه معاً: نعم ممكن، من صديقك؟. قال بحسرة: ممكن الاستعانة بصديقي الاخطبوط بول؟ قلنا بضحك عال: الله المستعان، أكلوه الألمان!