من يشرح للمقترضين، والمشترين على نفقة البنوك، والمديونين لبطاقات الصرف، باختلاف مستوياتها وأغراضها، بأنهم يبدأون من حيث انتهى غيرهم في مجتمعات بلغت خسائر الأفراد بما عاد عليهم من غرق في الديون ووهم بالتملك، وعيش على حساب غيرهم، ليعود أمرهم إلى التدهور، والحاجة لإعادة صياغة منهجية توازن بين دخلهم وبين صرفهم، وأولئك كما قالت المحللة الاقتصادية في الحكومة الأمريكية (سوزان أورمان) أفراد خدعتهم مغريات القروض ويسرها، وتدفق المال بين أيديهم عن طريق حصولهم على أكثر مما يحتاجون إليه وفق سقف ما يكسبون، فعاشوا «كذبة» كبرى، لم يتنبهوا لها إلا بعد تدهور الاقتصاد الأمريكي بتدهور الأفراد، وبأوهام الدائنين والمدينين.
ترى هل ينتظر الفرد في مجتمعنا أن يصل به الأمر إلى أن يبيع عربته التي اشتراها بالتقسيط ومنزله الذي بناه بالقروض، أو أن يجد نفسه في لحظة عاجزا أمام تصاعد سقف أقساط المدارس وتسديد فواتير الخدمات، والتأمين الشامل أو الجزئي الذي بدأت برمجته ضمن النظام المدني للتعايش مع متطلبات الواقع.. بما فيه أسعار الدواء والعلاج، وتطوير الذات، والعيش بشكل تتكامل فيه احتياجاته في حدها الأدنى..؟ بعد الكثير من المتغيرات التي طرأت وطرأ معها فتح شباك الديون في أشكال قروض مالية متيحة يسر التعامل مع الرغبات الفردية، من البنوك وبيوت الأموال، ومد خيوطها البراقة حول أعناق أصحاب الدخل المتوسط، والقليل وهم الأغلب الأكثر، تلفهم برفق، وتعضهم بشراسة..
ترى من ينبه الأفراد إلى أن نقل ثقافة الاقتراض الوافدة مع «كل» ما وفد من نظم تعليمية واقتصادية وعملية، ينبغي أن تخضع لمعرفة دقيقة وواعية بثقافة مقابلة ملمة بمفهوم العرض والطلب، والدخل والإمكان، والقناعة والحاجة، منبثقة من المبدأ الصحيح الذي يقر بأن سعادة المرء في القناعة، والقناعة مدار النجاح في التعامل مع «يكفيني ما عندي».. فالكفاية أمان، ولا يدركها إلا من يحسن التعامل مع التيارات المختلفة كي لا يغرق في بحورها.