ويعود سبب التركيز على القضاء التجاري في هذا المقال إلى أنه فرع القضاء المعني بتنفيذ التزامات المملكة في منظمة التجارة العالمية، وبالتحديد القضايا التجارية التي يوجد فيها طرف أجنبي ينتمي لدولة عضو في المنظمة.
فهي، أي المنظمة، لا يعنيها القضاء الجنائي أو قضاء الأحوال الشخصية، وإنما تهتم بما يؤثر في التجارة الدولية من تدابير وأحكام قضائية.
ولذلك فرضت مبدأ الشفافية في نشر الأحكام القضائية لكي يعرف أصحاب الشأن مصير قضاياهم، ويتابع المهتمون أداء القضاء الوطني التجاري، ومدى تطبيقه للقوانين الداخلية، ولقواعد المنظمة متى كان مطلوباً من القاضي تطبيقها.
والشفافية المطلوبة يمكن أن تتحقق بأي وسيلة، سواء التقليدية منها كالنشرات الدورية، أو تزويد المعنيين بنسخة من الأحكام عند الطلب، أو عبر الوسائل الحديثة وأهمها النشر عن طريق الإنترنت.
وفي المملكة، وهي عضو في منظمة التجارة العالمية، لا تزال فكرة تحقيق الشفافية غير واضحة، أو لم تتبلور بعد، بالرغم من صدور القرارات الداخلية التي تحث على تحقيق الشفافية ونشر الأحكام القضائية.
فديوان المظالم بدوائره التجارية لا يملك موقعاً على شبكة الإنترنت ليمكن للمهتمين الاطلاع على ما يصدر عنه من أحكام قضائية كما تفعل المحاكم التجارية في الكثير من الدول. كما أن إصداراته السنوية للأحكام والمبادئ، رغم الجهد المبذول في جمعها وتبويبها ونشرها بطريقة جيدة، إلا أنها لا تحقق الشفافية بسبب حجب أسماء المعنيين في القضايا وعدم ذكرها اجتهاداً من الديوان لاحترام الخصوصية وتلافي التشهير بأطراف القضية. وهذا الاجتهاد رغم وجاهته من الناحية الأدبية، إلا أنه يتعارض مع أهم مبادئ التقاضي وهي العلانية. فعلى العكس، يكون من المطلوب معرفة المتنازعين تجارياً، ومعرفة موضوع النزاع، وكيف دافع كل طرف عن موقفه، وكيف طبق القاضي النظام، وبنى حكمه على وقائع القضية وحجج الخصوم.
أيضاً اللجان شبه القضائية في العديد من الجهات المختصة هي معنية بتحقيق الشفافية شأنها شأن القضاء، لكن المتتبع لمواقع تلك الجهات على الإنترنت يلاحظ عدم نشر القرارات التي تصدر عن بعضها للفصل في المنازعات التجارية.
إن الشفافية في هذا المجال، قبل أن تكون التزاماً يفرضه القانون، هي قيم لها فوائد عظيمة لأطراف القضية بالدرجة الأولى، وللقاضي عندما يعلم الجميع بالحكم الذي أصدره للفصل في النزاع المعروض عليه، أو عندما يقرر مبدأ جديد من مبادئ القضاء، ومفيد للمهتمين من طلاب العلم في الشريعة والأنظمة، وللمتنازعين حول موضوعات مشابهة، وللمراقبين في المنظمات الدولية المعنيون بشؤون التجارة العالمية.