ما وقع في يدي من عقد تأجير عقار مع الوعد بالتمليك من أحد البنوك لمواطن يرغب في شراء منزل له ولعائلته هو نموذج للعقود التي تكون بين أي بنك ومواطن. والتمويل هنا أو في أي عقد آخر ما هو إلا تمويل تقليدي، والإجارة صورية. وارتفاع مستوى التدليس وتناقض المواد وتضاربها في هذه العقود عن غيرها نابع من أن التمويل عن طريق الإجارة المنتهية بالتمليك لا يصلح على البيوت؛ لأن قيمتها تزداد غالبا - بعكس السيارات والآلات - وتمويل المنازل عقود طويلة الأجل؛ فتزداد فيها جميع أنواع المخاطرة التي تُحمّلها البنوك على المواطن عن طريق التدليس في العقود. وقد كتبت قديما مفصلا لهذا الموضوع في جريدة الاقتصادية، ولكن موضوعنا هنا: كيف استغلت البنوك صورية هذه العقود فلبست لباس التقوى الساذجة وغشت المواطن برفع الفوائد وغبنته بتحويل المخاطرة عليه ومنعت الزكاة في ضربة واحدة بمباركة الهيئات الشرعية؟!
وقد بيّنت في المقال الأول تدليس البنك في سعر الفائدة، وهنا أُبيّن بعض طرق استغلال حاجة المواطن بتقييده بالشروط المجحفة.
ففي مادة الوعد بالتمليك تنص المادة على «وعد الطرف الأول أن يهب الطرف الثاني العقار» بعد وفائه بجميع المبالغ. ولفظ الهبة فيه منة وتفضل من البنك تأباه النفس ولا تقبله إلا من محسن متفضل لا من مستغل قد أرهقه بالفوائد ودلّس عليه فيها وقيّده بشروط مجحفة، ولكن هذه هي شروط الهيئات الشرعية التي تبني في الناس روح الضعف والتذلل لمن بيده المال، وهذا موضوع شيّق ليس هذا مكانه.
وفي مادة مبلغ الإيجار وطريقة دفعه ما نصه «للطرف الأول حق إجراء المقاصة على أي من حقوق الملكية العائدة للطرف الثاني» وكذا حساباته ودمجها وبأي عملة ومن غير إخطار! كل هذا مع أن العقار لم تنص أي مادة في العقد على ملكية المواطن له ولا لجزء منه مطلقا. وفوق ذلك، ففي مادة الضمانات نصت المادة على تحويل الراتب وتوقيع الكمبيالات والسندات مقدما.
وفي مادة إذا أراد المستأجر شراء العقار قبل انتهاء مدة الإجارة نصت المادة على «يتم تحديد ثمن البيع وفق سياسة الطرف الأول المتبعة في ذلك». وهذا فيه استغلال وغبن وظلم من حيث إنه يضع المواطن الذي يريد أن يدفع ما تبقى من قيمة التمويل إذا أراد التخارج تحت رحمة البنك الذي سيطبق عليه أغلى أنواع العقوبات كما يحدث الآن فيمن أراد التخارج من القروض الاستهلاكية. وفي الغرب يتم تحديد عقوبة التسديد المبكر عند توقيع العقد وتُلغى بعد السنوات الخمس الأولى، ولا تحدد نسبتها عبثا، بل حسب كلفة التمويل على البنك لا على المتمول، وتكون معلومة ومراقبة على مستوى الدولة.
وهذا يقودنا إلى تمويلات المنازل عن طريق المرابحة، وهو بيع صوري، ولكن على كل حال فالبنوك تحتج بأن شروط الهيئات الشرعية تملي عليهم بأن البيع قد تم؛ لذا فإن قبول البنك للدفع المبكر والتخارج هو من خيار البنك ومنة وتفضل منه؛ لذا فهم يضعون عقوبات مادية باطلة بادعاء أن البنك يتنازل عن حقوقه متحججين بالهيئات الشرعية، فيثبتون في ذمة المواطن التمويل مع كلفة الأرباح ويوقعونه على كمبيالات وسندات لأمر بهذا الدين. فبما أن كل ذلك حقيقة لا صورة فأين الزكاة؟ أم في تضييع الزكاة تتسع ذمم الهيئات؟
إن مما سكت عنه أن الصيرفة الإسلامية لا حقيقة لها، وما هي إلا مطية البنوك لظلم المواطن واستغلال حاجته وجهله، وهي وسيلتها في التدليس على المواطن وعلى الجهات الرقابية.