تابعنا خلال الأيام الماضية.. كل ما طُرح حول قضية (الفتاوى) وهي قضية طُرحت وعُولجت كثيراً.. وتحدث عنها.. المختص وغير المختص.. وحصل خلط بين الآراء وبين الفتاوى.. وصُنِّفت كلها.. على أنها فتاوى.. بينما بعضها أو الكثير منها.. مجرد طروحات وآراء قيلت على عجل وليست فتاوى.
هناك فرق بين الفتوى وبين رأي يُطرح.. فبعض الآراء التي طُرحت أو الأفكار التي سيقت في الصحف وغير الصحف.. هي وجهات نظر وآراء وليست من جنس الفتاوى.. ولا يمكن أن تُصنَّف على أنها فتاوى.. إذ إن الفتاوى لها مواصفات معينة ولكن الإعلام أقحم كل ما يُطرح على أنه فتاوى..
هذا من ناحية.. ومن ناحية ثانية.. هناك من طرح ضرورة ضبط الفتوى.. وتقدم (بفكرة) سماها ضبط الفتوى وقال.. اضبطوا الفتاوى ويجب ضبط الفتاوى.. وللأسف أن هذا الطرح قُدِّم من بعض من يُفترض فيهم.. العلم والمعرفة.. وكأنه يجهل أن شيئاً من ذلك يتعذر.. أو هو متعذر.
نعم.. يمكن وضع نظام أو طرح مشروع نظام للفتوى.. ولكن لا يلزم بالضرورة أن يكون هذا النظام حلاً شاملاً ومنهياً لكل طرح شرعي.. إلا من خلال قنواته.
هناك وسائل إعلام مختلفة متعددة يصعب ضبطها..
هل يمكن ضبط المحطات الفضائية؟
وهل يمكن ضبط المواقع الإلكترونية وأكثر المشاكل تأتي منها؟
فلو أننا أصدرنا نظاماً لضبط الفتوى وحمل معه شيئا من العقوبات.. هل ستلتزم به هذه المحطات.. وهذه المواقع؟
وهل يمكن محاسبتها.. وكيف سيتم ذلك؟!
إن طرح فكرة (ضبط الفتوى) هو كلام عام تُنبئ عن جهل وتصور بالواقع.. وبالانفتاح الإعلامي المعاش.. وبالتوجه الدولي نحو انسياب المعلومة وعدم الحجر على الآراء.. إذ من حق أي شخص حسب العولمة.. أن يقول رأيه.. وليس من حق أحد أن يحجر عليه ويُسكته وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع هذا التوجه.. إلا أنه مع الأسف يفرض نفسه.. ولا نستطيع مواجهته ونقول.. إننا حجرنا على هذا الرأي أو ذاك.
إن ضبط الفتاوى أو عدم ضبط الفتاوى هو شأن يخص دار الافتاء.. ويخص سماحة الوالد العلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ فهو المعني بذلك.. وهو المرجع في هذا الشأن.. وله تصريح في هذا الباب نُشر في الصحف.. وأي مشروع أو تشريع أو نظام أو تنظيم في هذا الشأن.. يكون بعيداً عن دار الإفتاء.. فهو بدون شك.. فوق أنه ناقص وقاصر إلا أنه أيضاً.. لا يُحقق الهدف والغاية المطلوبة منه.. فدار الإفتاء.. هي الأدرى والأعرف بهذا الشأن..
أعود وأقول.. إن هذه المطالبات والأحاديث التي تكاثرت اليوم في بعض الصحف مطالبة بضبط الفتوى.. هي مجرد كلام عام له صفة العمومية.. ولو قلت لأحدهم.. كيف نضبط الفتوى.. أو ما هو مقترحاتك لضبط الفتوى لقال.. أنا مجرد أطرح وأقترح لضبط الفتوى وعليكم التنفيذ..!!
لقد طُرحت مسألة ضبط الفتوى أمام مجلس الشورى ولكن المجلس لم يقدم شيئاً في هذا الشأن.. بل اكتفى بمجرد طرح.. قُدِّم من بعض أعضائه حول المطالبة بضبط الفتوى.. مجرد مطالبة ولكن.. كيف التنفيذ؟ فهنا.. يكون الكلام.
إنني أستغرب.. أن يتقدم أحد أعضاء مجلس الشورى ويطالب بضبط الفتوى (مجرد مطالبة) ولكن.. ما هي الآلية وما هي الطريقة.. وكيف يتم ذلك؟!!
هو لا يدري؟!!
إن المطلوب.. هو تقديم مقترح متكامل.. وليس مجرد كلام في الهواء (اضبطوا الفتوى!.
لقد نُشر هذا الكلام العام.. وهذا المطلب المتجرد هكذا.. دون أن نقرأ تفاصيل لهذا الطلب.. وعندما تحققنا من الطلب.. وجدناه مجرد خمس كلمات قيلت في المجلس وليس لها أي معنى سوى المطالبة ولكن.. كيف ذلك؟ هو لا يدري؟!!
نحن شبعنا من مجرد.. اعملوا كذا.. وهذا غلط.. وهذا غير سليم.. وهذا فوضى؟!
نحن ندرك كل ذلك.
كل ما نريده.. هو الحلول العملية وليس مجرد (حكي).
كم نتمنى لو أن الفتوى تنضبط ولكن.. هذا كما يبدو.. متعذر.. بل ربما دخل حيز المستحيل.
كيف نُسيطر على ألفين أو ثلاثة آلاف قناة قضائية؟ كيف نحكمها ونضبطها؟!
وكيف نتحكم في مثل هذه الأرقام وأكثر من المواقع الإلكترونية؟!
وكيف نتحكم في وسائل الإعلام بشكل عام؟
الكلام سهل و(قُولة سوُّا كذا) سهلة ولكن.. هل يمكن أن يُطبق ذلك على أرض الواقع؟!
(اضبطوا الفتوى) كما يقول صاحبنا.. ولكن كيف؟!
هو لا يدري (؟!!)