أعاد مجلس الوزراء مشاريع الأنظمة التمويلية العقارية الجديدة إلى مجلس الشورى بعد إجراء بعض التعديلات على نظام التمويل العقاري، نظام مراقبة شركات التمويل، نظام التأجير التمويلي، ونظام الرهن العقاري المسجل. هيئة الخبراء في مجلس الوزراء تمتلك الكفاءة التنظيمية، الإدارية، والخبرة الواسعة في شؤون المجلس؛ ما يجعلها قادرة على التعامل الحذق مع مشاريع الأنظمة الجديدة، وفق رؤية مجلس الوزراء الشمولية؛ في الوقت الذي يضم فيه مجلس الشورى نخبة من العقول المفكرة القادرة على وضع التشريعات المتكاملة المحققة للأهداف الوطنية المشتركة. العلاقة التكاملية بين المجلسين يُفترض أن تُستغل للتسريع في إنجاز المشروعات المهمة التي يُشكل تأخيرها عقبة في طريق تنفيذ خطط التنمية والتطوير.
إطالة أمد إقرار المشروعات المهمة ليست في مصلحة الوطن، وتأخير بعض القرارات يفقدها الكثير من الفاعلية والأهمية أيضاً، بمعنى آخر إقرار المشاريع التنظيمية الاستراتيجية في وقت يسبق مرحلة الحاجة أو بدايتها هو الضامن لتحقيق المنفعة الكلية منها، وتجاوز الأزمات، كأزمة الإسكان. آلية إقرار المشروعات التنظيمية يجب أن تحترم، وهو أمر لا يتعارض البتة مع مطالبة المواطنين بتحديد مدة زمنية لإنجاز المشروعات التنظيمية المفصلية التي يُرجى من خلال إنجازها القضاء على مشكلات اقتصادية، تنموية، سكانية، اجتماعية وأمنية، خاصة إذا ما ارتبطت تلك المشروعات بالشأن العام، كمشروع (الرهن العقاري) على سبيل المثال لا الحصر. إضافة إلى ذلك فالعلاقة البناءة بين المجلسين يُنتظر منها أن تؤسس لفرق عمل مشتركة بين لجان مجلس الشورى، وهيئة الخبراء في مجلس الوزراء؛ لضمان تحقيق الكفاءة المشتركة، واختصار الزمن في إنجاز المشروعات المهمة، وهو أمر ربما كان مطبقا، إلا أنه بدا متواريا في مشروع (الرهن العقاري). قد تكون هناك عقبات (بروتوكولية) تحول دون تحقيق بعض الاقتراحات، إلا أن الأمر في كثير من الأحيان يتطلب الخروج من عباءة البروتوكولات الرسمية التنظيمية لمصلحة الوطن والمواطنين.
لست مع تحفظات بعض أعضاء مجلس الشورى على التعديلات البسيطة التي أُدخلت على مشاريع الأنظمة التمويلية العقارية، رغم وجاهة بعضها، إلا أنني أعتقد أن مجلس الوزراء ربما كان أكثر شمولية في نظرته حيال تلك المشاريع، وهو ما يستدعي التأني في تفهمها، ومراجعة أسباب التعديل قبل إبداء التحفظات التي لن تخدم هدف التسريع في إنجاز المشروع. نظام الرهن العقاري كان من المفترض أن يُطبق في التسعينيات الميلادية، ولو حدث ذلك لجنب البلاد والعباد الكثير من الأزمات السكانية التي نواجهها اليوم، ولعل ذلك ما يبرر متابعة المواطنين الدقيقة لمراحل إقرار المشروع الذي أسأل الله أن يوفق مجلسي الشورى والوزراء لإنجازه قبل نهاية الربع الثالث من العام الحالي، وأن يجعل الله فيه الخير والبركة للبلاد والعباد.
الهيئة الشرعية المركزية للمعاملات المصرفية
تحفُّظ بعض أعضاء مجلس الشورى على ما ورد في تعديل الحكومة للمادة الثالثة من نظام التمويل العقاري بإضافة (اللجان الشرعية) في نص المادة بحيث تُصبح: (أن تكون مزاولة أي نوع من أنواع نشاط التمويل المحددة في النظام بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية تقررها اللجان الشرعية وبما لا يخل بسلامة النظام المالي وعدالة التعاملات)؛ أعادني إلى مقالة كتبتها العام 2005 تحت عنوان (هيئة شرعية مركزية للمعاملات المصرفية)، التي جاء فيها: (أصبحت المصرفية الإسلامية تتقدم بشكل مطرد وتتشعب حتى صارت أكثر تعقيداً من ذي قبل؛ الأمر الذي يستدعي وجود هيئة شرعية مركزية للمصرفية الإسلامية تنبثق منها لجان خاصة، يكون من ضمنها لجنة دائمة لفتاوى المعاملات المصرفية.. وبذلك تتصدى اللجنة الشرعية المركزية للفتاوى الخاصة بأحكام المعاملات المصرفية وتكون المرجع الأوحد في البلاد)، وأشرت في مقالة أخرى إلى ضرورة ارتباط الهيئة بسماحة المفتي مباشرة للجمع بين النظرة الشرعية المتخصصة والجهة الرسمية التي أسند لها ولي الأمر شؤون الفتوى في البلاد، وكتبت أيضا عن ضرورة وجود هيئة شرعية مركزية في مؤسسة النقد تختص بالرقابة التي هي من صميم عمل المؤسسة. أجد أن المجلسين على حق فيما ذهبا إليه حيال (اللجان الشرعية)؛ فلا يمكن للمؤسسات التمويلية تقديم منتجاتها التمويلية المتوافقة مع الشريعة دون أن تكون لديها لجنة شرعية متفرغة، كما أنه من الضروري أن تكون هناك لجنة شرعية مركزية في مؤسسة النقد تُعنى بالرقابة الشرعية على ما تُقدمه المؤسسات المالية. وجود تلك اللجان المرتبطة بالمؤسسات التمويلية لا يتعارض مع وجود الهيئة الشرعية المركزية في مؤسسة النقد؛ ما يعني وجود موقف توافقي يحتاج إلى تطوير للوصول إلى تطابق في وجهات النظر يحقق المصلحة العامة، أكثر من كونه تباينا وخلافا. في هذه الجزئية أعتقد أن المؤسسات المالية المعنية بالتمويل لا يمكنها العمل دون اللجان الشرعية المتفرغة، والنظام الحالي يحقق هذا الهدف، إلا أننا في حاجة إلى هيئة شرعية مركزية عليا للمعاملات المالية، ولجنة شرعية رقابية مركزية في مؤسسة النقد تهتم بالجانب الرقابي على تنفيذ المؤسسات المالية معاملاتها التمويلية وفق فتاوى اللجان الشرعية؛ فتتحقق بموجبها الرقابة الخارجية المُستقلة التي يتسبب غيابها، في الوقت الحالي، في ظهور بعض سلبيات التطبيق التي تتسبب في إخراج بعض المعاملات المالية من محيطها الشرعي. تُشكل الهيئات واللجان الشرعية المُقترحة فيما بينها هرمًا تحتل فيه (الهيئة الشرعية المركزية للمعاملات المالية) قمته، وتكون المرجع في كل ما له علاقة بالمعاملات المالية، وتحتل فيه اللجنة الشرعية الرقابية المركزية في مؤسسة النقد وسطه، في الوقت الذي تحتل فيه اللجان الشرعية في المؤسسات المالية قاعدة الهرم. وبذلك يمكن تحقيق هدف المرجعية الموحدة في فتاوى المعاملات المالية، والهيئة الرقابية المستقلة في مؤسسة النقد، واللجان الشرعية المعنية بالمنتجات المالية المباشرة في المؤسسات المالية. نقص عدد المختصين في فقه المعاملات، والمصرفية الإسلامية، يجب ألا يكون سببًا لإبداء التحفُّظ، بل محفزًّا للتطوير والمطالبة بتأهيل المزيد من المختصين بشؤون المصرفية الإسلامية.
F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM