هذا ما أكدت عليه مؤسسة (MSCI) المتخصصة في توفير مؤشرات الأداء القياسية وللعام الثاني على التوالي؛ حيث ترى أن أسواق الخليج عموما لم تصل لمرحلة تخولها بأن تكون منافسة للأسواق الناشئة مثل الصين والهند والبرازيل وغيرها.
فبرأي المؤسسة هناك خطوات كثيرة لا بد من تخطيها حتى نصل إلى هذا التصنيف، أي أننا ما زلنا خارج تفكير مؤسسات الاستثمار العالمية التي تمتلك صناديق متجولة تستثمر بمليارات الدولارات عند المصنفين كناشئين. فوفق مؤسسة أبحاث صناديق التحوط (HFR) في تقرير صادر عن العام الماضي اعتبرت منطقة الشرق الأوسط عموما الأقل حظا لدخول هذه الصناديق بعدد 20 صندوقا بينما تمترست في دول آسيا 485 صندوقا، أي نصف عددها الكلي، وفي أمريكا اللاتينية 100 صندوق، ويقدر حجم الأموال التي أديرت من قبل الصناديق قرابة بـ77 مليار دولار، ولا يتجرأ أي صندوق يعمل بمنطقتنا على وضع مبالغ تزيد على 100مليون دولار بأي سوق من أسواق المنطقة؛ فهناك عوائق كثيرة تقف حيال ذلك، ولكن في المقابل ترى مؤسسة البيانات المالية (IBFR) أن حجم الصناديق بشكل عام تضاعف عشر مرات بالأسواق الناشئة ليصل إلى 560 مليار دولار، لكنها تبقى محدودة قياسا بما هو موجود بالأسواق الناضجة؛ حيث يقترب الرقم من 4500 مليار دولار.
لكن ما يهمنا هو أسباب بقاء أسواقنا في موقع لا يسمح لها بالمنافسة مع الآخرين، بل يضعنا خارج التصنيف لتبقى أسواقا ممكن أن تصنف كهواة وليست محترفة؛ فما زالت بنظر مؤسسات التقييم تفتقر إلى العديد من الجوانب الحيوية التي تجذب المستثمر الأجنبي بشكل فعّال ومؤثر؛ فهناك محدودية للشفافية والإفصاح، ولم تصل الأنظمة والقوانين إلى مرحلة متكاملة، إضافة إلى أن غموض أسواقنا عن المستثمر الخارجي يجعلها بعيدة عن حساباته، فهل سيشتري سمكا في بحر؟!
والحقيقة التي نراها في السوق السعودي أن هيئة السوق المالية طورت كثيرا وبفترة قياسية الكثير من الجوانب التنظيمية والرقابية في السوق، وأضافت أدوات كالسندات والصكوك وكذلك صناديق المؤشرات بخلاف تطبيق الحوكمة على مراحل والرقابة على المخالفات من الشركات أو المتعاملين، وفتحت نافذة صغيرة للمستثمر الخارجي من خلال اتفاقية تبادل المنافع، لكنها لم تلقَ تجاوبا كبيرا؛ فما زالت الأموال المستثمرة عبرها بسوقنا بسيطة جدا.
والسوق السعودي هو أكبر الأسواق العربية من حيث حجم التداول وقوة الشركات فيه وعالمية بعضها؛ وبالتالي المرشح الأكبر للمنافسة مع الأسواق الناشئة الأخرى، لكن ذلك يتطلب جهودا حثيثة ليس فقط من قِبل هيئة السوق المالية بل من الأطراف الأخرى التي ترتبط بالسوق كوزارة التجارة من خلال إصدار قانون الشركات الجديد وكذلك مسألة توفير المحاكم التجارية المتخصصة بشكل أوسع نطاقا، وإن كانت الخطوات الأولى عمليا بدأت، لكن عامل الوقت يعتبر مهما جدا في تسريع عجلة الإصلاحات والتطوير؛ فكل طرف لا بد أن يوازي في تحركه الطرف الآخر، ولا بد من معالجة أي عوائق بسرعة كبيرة؛ فمؤسسات الاستثمار المرخصة لدينا بالعشرات فشل أغلبها لأسباب لا تتعلق بتقدير خاطئ من قبلها فقط بل لغياب أنظمة تسمح لها بالتوسع في أعمالها في شتى الجوانب.
كما أن السوق يحتاج إلى مراجعة مستمرة لما ينقصه من قطاعات وإعادة هيكلة القائم منها وتغيير في منهجية استقطاب الشركات التي يفترض أن تمثل اقتصاد المملكة بحسب تأثير القطاعات التي تنضوي تحتها في الناتج الوطني غير النفطي؛ فقطاعا العقار والمقاولات يشكلان الثقل الأكبر باقتصادنا بعد النفط، وتمثيلهما ضعيف جدا يكاد لا يُذكر إذا ما قارناه بقطاعَيْ البنوك والبتروكيماويات.
كما أننا بحاجة ماسة إلى تفعيل أدوار رقابية أكثر على الشركات لتقييم أدائها الحقيقي وتطوير دور المستثمر بمحاسبة مجالس الإدارات ولعب الدور الحقيقي في رفع كفاءة الأداء الذي ينعكس بنهاية المطاف ليس فقط على النتائج بل على الإفصاح والشفافية، كما لا بد من إيجاد الصيغ التي تربط بين الإدارات وسعر السهم بالسوق؛ فهناك غياب تام لهذه النقطة، ونرى كيف تهوي الأسهم وترتفع دون أن يكون لإدارات الشركات أي تعليق على ذلك أو رابط مالي متمثل في شراء الشركات لأسهمها وفق المعايير الدولية المتبعة بذلك.
إنَّ تطوير أي سوق يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين، والفترة الحالية التي يعيشها العالم فرصة حقيقية للدخول في المنافسة مع الآخرين؛ فالأسواق الناشئة ما زالت محدودة في عددها وحجمها؛ فهي لا تمثل سوى 11 في المائة من حجم الأسواق المالية دوليا، وفي الوقت الذي ينظر إلينا فيه بأننا نعيش فترة اقتصادية مزدهرة فإن ذلك كفيل بحرق مراحل عديدة حتى نعرّف العالم بأسواقنا، فجميل أن تتميز بوقت يسقط الجميع فيه خصوصا الأسواق الناضجة، لكن ذلك يحتاج إلى استثمار هذه الفرصة بشكل كبير قد لا يتكرر مستقبلا.