يبدو لنا أفقُ التفاعل مع قارئ النسخة «الشبكية» من الجريدة غيرَ محسوم؛ فقلةٌ من الكُتَاب والكاتبات من يعبؤون بالرد المباشر عبر الموقع ذاته، والكثرةُ - ومنهم صاحبكم - يقرؤون فلا يعلقون؛ استنادا على أن من قال كلمته «فليمشِ»، وليدعْ الساحة والمساحة للمتحاورين حوله أو حول حروفه؛ سواءٌ من وقَع باسمه الحقيقي أو توارى خلف قناع؛ والأقنعة من ابتلاءات زمن «المعلوماتية»، مثلما هي من أدواء المجتمعات المغلقة.
قد ينتقدك وربما يسُبك ويشتمك وهو جارك أو صديقك أو قريبك، وهو نفسه من يبتسم ويرتسم في حضورك، فالتواري هو التقيا، والوجهان هما الظهران، وكانت الحكاية تبتدئ من مفارقة واحدنا المجلس العامر ليبدأ الهذر حوله محاكمةً وحكمًا، وأغنى بعضَنا الوسيطُ الآلي فاعتمر قبعة الإخفاء ليضرب ذات اليمين وذات الشمال، والحملة ضد الأسماء «الشبحية» تحمل مبادئ الخلق القويم، وتحمي المرء من إثم الاغتياب الذي يُحيله إلى أحد المفلسين الذين يأتون بعبادات لله تبطلها الإساءة لخلق الله.
ربما تجيء المقدمة متوائمةًً مع موسم الإجازات التي تريح الكاتب والقارئ كليهما؛ فالرحيل هنا هو الحل لتعب الراكض وملل المتفرج، وهي مناسبة تأمل أمامهما للاستزادة والاستفادة والمراجعة والتراجع، وقد تصلح بديلا عن الحوار المباشر غير المتكافئ بين حاسر الرأس، عاري الصدر والمتكهف المتغطي من مفرق شعره حتى أظافر قدمه، ودون أن يحتاجا إلى وسطاء الدفاع وجماهير الاندفاع.
ليكن ذاك؛ فالتوقفُ الاختياري خيرٌ من الإجباري، والكاتب لا يستطيع قراءةَ ذاته، كما هو غير مكتفٍ بحسابات سواه، وهنا المعضلةُ التي تواجه الفاهمَ والواهم، ومن يبقى تجلدًا لشماتة الذهن والزمن، ومن هو جدير بالاحتفاء والاقتفاء.
اللياقة الذهنية تحتاج إلى تجديدِ معرفةٍ وصفاء عقلٍ وإيمان بتخصص؛ فالراكد يأسنُ مهما تنامى حجمُه وجِرمُه وعمره، والتفكير يسبق التقدير والتقرير، ومن يتصدى لقضايا سياسيةٍ مثلا لا يحسن بالضرورة الخوض في القضايا الخِدْمية، والآخر كذلك، وإن تعجب فممن يبحرون في كل الاتجاهات وكل الأوقات ولو بأشرعة مرقعة متهالكة.
ليس صعبًا تسويدُ البياض؛ لكن الصعب أن نُجر لقضايا جانبية؛ ففتوى الغناء لا تحتاج كلَ هذه الزوبعة إذ لم يتوقف سامع كما لم يستمع متوقف، وفضاءاتُ النغم تملأ الرحب فما ضيق عليها متشدد، ولن يزيدها متجدد، وصلاة الجماعة -باختلاف المفتين- لم تدع المساجد مهجورةً أو معمورة، ورضاع الكبير لن يغير في المفاهيم المجتمعية قِيدَ أَنملة؛ فهل هو التصيد والترصد وإضافة نقاط لناتج مباريات سجال لم ولن تتوقف.
لا مكان في أمة تريد النهوض لرأي معاند أو مساند، ومادح أو قادح وفقًا لأهواء شخصية أو تبعية قطيعية، وفي حين يعمل غيرنا نكتفي بالفرجة على بعضنا لنصوغ أقسى شماتة، حتى الموتى لم يسلموا من أذانا؛ ففي المقلب الآخر تبادل منتمو التيار التهاني بوفاة المفكر المصري الدكتور نصر حامد أبو زيد -عليه رحمة الله-؛ ما يدع الشاغر في البناء الكتابي أكبر من أن يأتمر للجاجٍ واحتجاجٍ وإزعاجٍ وانزعاج.
آن أن تسكن لوحة المفاتيح؛ فلعل صاحبها يقرأ ويستقرئ، ويكتشف إن كانت لديه بقية من لياقة تأذن له بالعودة بعد الصيف إذا يشاء الله.
الغياب موقف لا توقف.
Ibrturkia@gmail.com