الجدل الذي يدور الآن ليس على مستوى التفكير والنظريات، ولكن على مستوى التطبيق والصناعة هو أن عصر الكمبيوتر سيولي قريباً.. ونقصد هنا عصر الكمبيوتر الشخصي أو ما يعرف ب PC..
إسقاط شركة أبل مسمى ال PC من اسم الشركة هو دلالة واضحة على أن عصر الكمبيوترات الشخصية هو على وشك النهاية.. وتسميتها الجديدة Apple.Inc مؤشر إلى تحول الصناعة من صناعة الكمبيوترات إلى صناعات أخرى جديدة.. وكما قال أحد أشهر لاعبي الهوكي جرتسكي (كندي) إلى أنه يذهب دائماً إلى المكان الذي من المتوقع أن تتحول إليه كرة الجليد وليس إلى المكان الذي تكون فيه الكرة حالياً.. وهذا يلخص ما يدور حالياً ومنذ سنوات خلف كواليس الصناعة الحاسوبية، وأصبحت الآن في جدل محسوم تقريباً للتوجهات النوعية الجديدة في هذه الصناعة.
الصناعة الجديدة التي ستغزو العالم هي صناعة التقنية النقالة، وتأتي في مقدمتها الهواتف الذكية، فهي البديل الجديد الذي سيتم فرضه على تقنيات الاتصالات القادمة. الآن كل الجهود في صناعة الاتصالات تتركز - باستثمارات ضخمة وخيالية - نحو الجوال، وما سيملكه من مواصفات وتقنيات تغني عن الحاسبات الشخصية. ولهذا من المتوقع أن تحل الهواتف الذكية مكان مساحة عريضة من مستخدمي الحاسبات الشخصية خلال السنوات القادمة.
ومن ينظر إلى الوراء قليلاً ويتابع مجريات التاريخ في العقود الماضية يلاحظ أن الآلة الكاتبة كان كل شيء يمتلكه الإنسان تقريباً في الكتابة والطباعة ولعقود طويلة، ولكن دخول الحاسبات الشخصية قضى تماماً على استخدامات الآلة الكاتبة نهائياً.. وقد استمرت الآلة الكاتبة فترة معينة قدرها الخبراء بحوالي عشر إلى خمسة عشر عاماً ظل البعض متمسكاً بها، ولكن في النهاية استسلمت هذه الآلة وتم إيداعها إلى المتاحف القديمة. وما يتوقعه الخبراء ومستشرفو المستقبل أن الحاسب الشخصي سيحذو حذو الآلة الكاتبة قريباً.. وصحيح أن مستخدمين معينين سيظلون من أنصار الحاسبات الشخصية، لكن نسبتهم ستكون قليلة، وفي انخفاض تدريجي إلى أن ينتهي ربما خلال سنوات مستقبلية ليست بعيدة، يراها البعض في حدود خمسة عشر عاماً.
الهواتف الذكية هي الحلول الجديدة في مستقبل تقنيات الاتصال والحاسبات الشخصية، والآن تعمل الشركات الكبرى على توظيف كل إمكانياتها في الاستثمار في هذه الصناعة الجديدة.. آي فون وآي باد هي إحدى الحلول، وإنه الآن وبتطوراته المستقبلية سيوفر كل ما يحتاجه الإنسان من برامج وتوظيفات فنية ومعلوماتية وترفيهية..
وكان ستيف جوبز الرئيس التنفيذي لشركة أبل قد أعلن الشهر الماضي في مؤتمر عن صناعة التقنيات الرقمية إلى أن نهاية الحاسبات الشخصية على وشك الحدوث.. وذكر أن آي باد وآي فون هي الجيل القادم والذي سيقود العالم إلى نهاية تقنية واستخدامات الحاسبات الشخصية. وأشار إلى أن صناعة الكمبيوترات تشبه صناعة السيارات، حيث كانت البداية هو في تصنيع سيارات النقل trucks لأن استخدامها كان في الزراعة ونقل المنتجات الزراعية، ولكن مع تولد الحاجة إلى وجود سيارات صغيرة تدخل المدن وتقدم خدمات جديدة تم التحول نحو صناعة سيارات تلبي المتطلبات الجديدة.. وهذا ما سيحدث خلال السنوات القادمة، في الصناعة الاتصالية..
ما سيحدث هو التركيز على صناعة الهواتف الذكية، لتكون أسرع مما نتخيله، وأرخص مما نتوقعه، بما سيتوفر فيها من برامج حديثة ووظائف جديدة يتم فيها الاستحواذ على مواصفات الحاسبات الشخصية ونقلها إلى الهواتف الذكية، لتصبح هذه الهواتف مراكز ترفيه بما تحمله من كمرات وأفلام وموسيقى ودردشات وغيرها من الوظائف التي تستهوي مستخدمي الإنترنت والحاسبات الشخصية.
وهناك خاصية أخرى مهمة، فأجهزة الهواتف الذكية لديها قدرة أكبر على حفظ وأمن المعلومات، فقد ذكر يوجين كاسبر سكاي صاحب شركة برامج الحماية المعروفة أن من الممكن أن يتم تقديم خيار البصمة لفتح أجهزة الجوالات الجديدة بهدف الحماية وعدم استفادة آخرين من هذه الأجهزة دون الشخص المعني.. وأضاف أنه من السهولة بمكان زرع أنظمة وتقنيات حماية داخل أجهزة الهواتف الذكية أكثر من زرعها داخل الحاسبات الشخصية..
وأخيراً، نعلم أن التقنيات متسارعة ومتغيرة وغير ثابتة.. ونحن نعيش عصر التقنيات المتسارعة، وقد يرى البعض أن الحاسبات الشخصية هي من الأمور المسلم بها، لكن المعطيات الحالية ستفرض تحولاً جديداً.. ويصبح الجوال الذي بين يديك هو كل ما تريده وتحتاجه في كل شؤونك الخاصة والعامة.. وفي نفس الوقت نحن نعلم أن المعنيين بهذه الصناعات هم مهندسون وفنيون ومبدعون في الاختراع والابتكار والتطبيقات، ولكنهم ليسوا معنيين أبداً بآثار مثل هذه التقنيات الجديدة على المجتمع وبخاصة تلك الأضرار التي قد تواجهها المجتمعات نظراً لخصوصيتها الدينية أو الثقافية أو المجتمعية.. وهذا ما نحتاج أن نبدأ به من الآن.. في التوعية والتثقيف لترشيد استخدامات الهواتف الذكية في منازلنا ومع أبنائنا وبناتنا.
المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية - أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود
alkami@ksu.edu.sa