ربما جاء تصنيف السوق السعودية في قائمة الأسواق المالية الخليجية الأقل خسارة في النصف الأول من العام 2010 مناسباً للمقصِّرين، والباحثين عن الأعذار، لا المطالبين بإصلاح السوق، وتحصينها ضد الأزمات، وحماية مدخرات المواطنين واستثماراتهم من الضياع.
أفضل الخاسرين يبقى سيئاً بلُغة الأرقام، وفلسفة الإدارة؛ فالكفاءة تُقاس بمعايير الجودة وتحقيق الأهداف التي ليس من بينها (أفضل الخاسرين). كفاءة الأسواق المالية تعني الاستقرار والنمو، الاستقلالية المرتبطة بشكل أكبر بالمتغيرات الداخلية، التناغم بين أداء السوق والاقتصاد بشكل عام، الإدارة الفاعلة، الرقابة، والخطط الاستراتيجية محددة الأهداف. وتعني أيضا الوضوح والشفافية، والارتباط الوثيق بين إدارة السوق، بشقيها الفني والرقابي، والمتداولين بما يحقق مصلحة السوق، المستثمرين، والاقتصاد الوطني.
في كثير من الأحيان تكون معالجة الأزمات لمصلحة المُقَصرين، لا الضحايا، وهو ما يُساعد في حدوث الأزمات المتكررة. ضحايا سوق الأسهم لم يحصلوا بعد على حقوقهم المفقودة، ولم يجدوا من يُنقذهم من أمواج السوق العاتية التي لم تسمح لهم بالتقاط الأنفاس؛ فمنذ غرقهم الأول ما زال المتضررون منهم في قاع المحيط تتقاذفهم تيارات الأعماق، تدفعهم حيناً إلى الأعلى وتعيدهم أحياناً كثيرة إلى القاع دون أن يفرحوا بالوصول إلى سطح المحيط!. نؤمن بمتانة الاقتصاد السعودي إلا أنّ تلك المتانة تتلاشى أمام أزمات الأسواق المالية العالمية، لا بسبب ضعفها بل بسبب إدارة مكوناتها الأساسية، وعدم استغلالها بكفاءة لحماية السوق المحلية.
حتى أننا لا نجد العون في كثير من الأحيان إلا من الله أولاً، ثم الوالد القائد الذي يسارع في التدخل، مطمئناً، ويداه الكريمتان ممدودتان لانتشال المتضررين.
الإنفاق الحكومي السخي ساعد في استمرار دوران عجلة التنمية، ولكن ماذا عن صغار المستثمرين ومحدودي الدخل الذين ارتفعت تكلفة المعيشة عليهم؟. هؤلاء حاولوا أن ينموا أموالهم، ويستفيدوا من الطفرة؛ فتوجهوا إلى سوق الأسهم للاستفادة من متانة الاقتصاد، والإنفاق الحكومي الذي كان من المفترض أن ينعكس إيجاباً على أداء شركات السوق، إلا أنهم وجدوا الخسارة في انتظارهم، ففقدوا ثرواتهم، وأصبحوا غير قادرين على إعالة أسرهم بعد فقدهم رؤوس أموالهم ومدخراتهم في السوق!. هؤلاء الخاسرون هم أكثر حاجة للمساعدة والدعم، وسوقهم المالية أكثر تضرراً من أسواق العالم. إنقاذ السوق لا يحتاج إلى أموال ضخمة بل إلى إدارة فنية تجمع بين المعرفة، الملاءة المالية، كفاءة التداول، وصناعة السوق. إنقاذ السوق يعني إنقاذ أكثر من 80 في المائة من المواطنين، أي أننا نتحدث عن حجم إنفاق أقل لمعالجة مشاكل مالية عامة، لا كما يحدث في خطط التحفيز التي تستهلك أموالاً ضخمة لإنعاش شركات قليلة تستأثر بمقدرات الاقتصاد. خطط التحفيز الغربية صُممت من أجل حماية الوظائف التي يوفرها القطاع الخاص، وضمان استمرارية الضرائب التي تمول ميزانيات الدول الغربية، ولتحقيق التنمية المستدامة من خلال القطاع الخاص لا الحكومي، بمعنى آخر أن الدول الغربية تحمي مواطنيها من خلال دعم وحماية الاقتصاد وقطاعات الإنتاج، أما نحن فنعتمد جميعاً على القطاع العام الحكومي، لا الخاص، بل إن القطاع الخاص المُستَنزِف لخطط الدعم والتمويل والحماية لا تُشكِل مساهَمَته في الناتج الإجمالي إلا النزر اليسير الذي لا يتناسب مع ما يحصل عليه من دعم وتمييز، في وقتٍ يقف فيه متمنعاً عن المساهمة في حل مشكلة البطالة التي تسبّب في تفشيها في سوقٍ تضم أكثر من 6 ملايين عامل، وتُنفق الدولة فيها أكثر من 300 مليار ريال سنوياً على مشروعات التنمية، تُصَبُّ أرباحها مباشرة في حسابات شركات القطاع الخاص. يشير تقرير الثروات العالمي السنوي الرابع عشر الذي أعلنته ميريل لينش لإدارة الثروات العالمية وشركة كابجيميني حول تطور الثروات الفردية في العالم إلى ارتفاع عدد الأغنياء في السعودية خلال العام الماضي بنحو 14.3 في المائة؛ حيث وصل إلى 104 آلاف ثري تقريباً، وهو أمر جيد، ولكن ماذا عن الطبقة الوسطى وطبقة الفقراء؟.. سؤال يحتاج إلى إجابة صريحة، إلا أنه يُعتقد أن مكونات تلك الطبقتين هم أكثر المتضررين من تبعات الأزمات العالمية، وانعكاساتها على سوق الأسهم، وأقل المستفيدين من خطط التحفيز الضخمة التي يفترض أنها صُممت لتنميتهم، وانتشالهم مما هم فيه.
***
F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM