كان مهجورًا فصار معموراً، ورحلت «آدابُ جامعة الملك سعود» عنه ليحل فيه «الفرع النسوي» لمعهد الإدارة بعدما جرى ترميمه وإعادة تصميمه من قِبل إدارة الصيانة في المعهد «بإمكاناته الذاتية»؛ فبدا زاهيًا أنيقاً لدرجة دفعت أحد رؤساء تعليم البنات السابقين، حين زاره يوم خميس، أن يلتفت لوكلائه المرافقين ويقولَ لهم بالحرف الواحد: هذا هو المبنى وليست المباني «اللي مثل وجوهكم».
- كان مشهدًا صعبًا ؛ فمن كنا نراهم على واجهات الصحف وأمام الكاميرات بدوا صغاراً لم يحيروا جواباً، وبقوا فوق كراسيهم، ومسحوا الإهانة بالوجاهة المزعومة، ثم غادر معالي الرئيس وجاء معالي رؤساء ولم تتغيّر المباني والوجوه، لكننا تفاءلنا - قبل عام وبضعة أشهر - حين انتقلت إحدى مؤسِسات ذلك المبنى الجميل لتتسنّم الإشراف على تعليم البنات؛ فقد عاشت وعايشت الأفضل ولن ترضى بما هو دونه في موقعها الجديد.
- كانت «نورة الفايز» و»رقية الضحيان» و»منيرة الرواف» أول ثلاث قياديات يستقطبهن معهد الإدارة لفرعه الوليد (1983م)، وانتقلت الأستاذة رقية والدكتورة منيرة « أولُ مديرتين له» لفرص وظيفية أخرى، أما الأستاذة نورة فغادرت إلى القطاع التعليمي الأهلي ولديوان وزارة التربية، ثم عادت إلى المعهد مديرة عامة له بطلب من الدكتور محمد الطويل وبقيت فيه حتى عيِّنت نائبة لوزير التربية لتعليم البنات.
- جاءت الفايز إلى إرثٍ تعاقب عليه الرجالُ «نصفَ قرن»؛ فقدروا وقرروا وطوّروا ما استطاعوا، ومضوا فسلموا جهازاً متعبًا في تنظيمه وإجراءاته ومبانيه، ولن يلاموا؛ فالإدارة من وراء الأسوار هي الإدارة المستحيلة؛ بما تحمله من صور ضبابية تنقلها ال: «هُن» إلى ال: «هم» وَفق أولويات الأقرب رتبة والأقوى حجّة والأكثر جدلاً والأفصح لساناً، وهذه شؤون لا صلة لها بالإدارة؛ ما يعني احتمالية الأخطاء وتراكمَها وتحولَها إلى قوانين يثبتها التقادم.
- ومع أنّ معاليَ النائب لا تملك مفاتحَ التغيير السريع المرتبط برؤىً مجتمعيةٍ واعتمادات مالية وقيود بيروقراطية وتركة مثقلة، فقد قامت - خلال أشهر - بما ناء به أولو القوة؛ فبدّلت وعدّلت وأدارت المدارس من داخلها، وقامت بزيارات ميدانية لم يُعهد مثلُها في تاريخ تعليم البنات، والتقت بالجميع دون أن تخُصَ فئة أو تتقرّب لأخرى، ومن غير أن تهتم بمنطقة وتهمل سواها.
- لم تكد تبدأ مهامها بعد، ولعلّها - في فترة تكليفها - تضع أرضيةًً قابلة للبناء فوقها، وبقي أمامها ومن معها ومن يخلفُها الكثير، وللجميع الحقُ في مساءلتها ولكن بعدلٍ يوازي مساءلة من سبقوها أي بنسبة «واحد من خمسين»، أو بما يماثل ما قاله الرئيس الأسبق من مقارنة وجهٍ بوجوه، ولو لم يكن لها سوى مرونة التعامل ومباشرة القضايا، وحرصها على التغيير وتبنِّي أنظمة تعليمية جديدة، وعدم التفاتها لأصوات المثبطين والمحبطين لكفاها.
- لم تكن هذه الكلمات لتخرج والأستاذة الفايز على رأس العمل؛ فما اعتاد مثلها لمن هم في مثل موقعها، لكن المناوئين لتجربة «تأنيث التعليم النسوي» بكل مكوّناته يسعون لتحجيم هذه التجربة، وقد نجحوا أمس بمواجهة توحيد إدارات التعليم التي بدأت اليوم مسيرةً أخرى نحو الاندماج، والحكاية - بقضِها وقضيضها - مرتبطةٌ بما طرحه صاحبكم «السبت الماضي» من توغل المؤدلجين (الشيخ والليبرالي) وتصارعهما على مناطق نفوذٍ لهما مقابل فرجة (التقني) المعزول أو المعتزل.
- لا جنس للعطاء ولا جنسية.
Ibrturkia@gmail.com