Al Jazirah NewsPaper Monday  28/06/2010 G Issue 13787
الأثنين 16 رجب 1431   العدد  13787
 
بين الكلمات
مفاهيم السرقة والنهب والاختلاس بين الفقه والقانون
عبد العزيز السماري

 

تعد مكارم الأخلاق من سمات العرب؛ فهم يتصفون بالكرم والمروءة والشجاعة والشرف، لكنهم ظلوا طوال تاريخهم العريق يقدمون النهب والغزو على أنها أحد طرق الرزق والعيش؛ فعلى سبيل المثال يجوز في عرف الصحراء أن تغزو قبيلة أخرى وتنهب أرزاقها وحلالها، ويعد ذلك أحد ضروب الشجاعة، لكنهم اتفقوا على أن يتجنبوا في غزوهم مرابع شيخ القبيلة..

لكن حسب لسان العرب لا يدخل ذلك في مفهوم السرقة، ولكن في النهب، والسبب أن السرقة يتم حصرها في ما أخذ في خفية من حرزٍ؛ أي السرقة أخذ الشيء في خفاءٍ وحيلةٍ. وجاء في لسان العرب أن السارق عند العرب من جاء مُسْتَتِراً إلى حِرْزٍ فأخذ منه ما ليس له؛ فإن أخذ من ظاهر؛ فهو مُخْتَلِس ومُسْتَلِب ومُنْتَهِب ومُحْتَرِس، فإن مَنَعَ مما في يديه؛ فهو غاصب.

والنهب هو الغَنيمة؛ وفي الحديث: فأُتِيَ بنهب؛ أَي بغَنيمة، والجمع نِهابٌ ونُهُوبٌ؛ وفي شعر العباس بنِ مرداس: كانتْ نِهاباً، تَلافَيْتُها / بِكَرِّي على المُهرِ بالأَجرَعِ..، والانْتِهابُ: أَن يأْخُذَه مَنْ شاءَ،. والإِنْهاب: إِباحَتُه لمن شاءَ.

قد يفسر ذلك محدودية عقاب جريمة السرقة فقط في ما أخذ من حرز؛ فالسارق هو الذي يكسر الحرز ويأخذ ما في داخله، والحرز هو الموضع الحصين؛ لذلك انحصرت العقوبة فيمن يسرق، بينما تخرج مفاهيم النهب والاختلاس والتلاعب المعلومات في سوق الأموال من تعريف السرقة في الفقه الإسلامي، وعلى الرغم من تطور القوانين الحديثة إلا أن السرقة لا تزال تختلف عن النهب والاختلاس والاغتصاب وسرقة المعلومات، ولا يزال النظام الأخلاقي العربي لا يعترف بجريمة الاختلاس ونهب الأموال عبر استغلال السلطة أو استغلال المعلومات كجريمة سرقة؛ مما يخرجها من عقاب حد السرقة.، ويظهر ذلك في تكرار أخبار النهب والاختلاس، ومع ذلك تمر مرور الكرام، ولا يكون للناهب عقوبة..

حسب دراسة قام بها الباحث حاتم عبدالله عن حد السرقة بين الشريعة والقانون الوضعي، تُعرف السرقة عند فقهاء الشريعة الإسلامية كجريمة حدّية على أنها أخذ العاقل البالغ نصاباً محرزاً أو ما قيمته نصاب ملك للغير لا ملك له فيه ولا شبهة، وكان السارق مختاراً غير مكره، سواء مسلماً أم ذمياً أو مرتداً، ذكراً أو أنثى حراً أو عبداً، بينما قال آخرون إنها: أخذ مال خفية من حرز مثله بلا شبهة، لكن فقهاء القانون الجنائى يعرفونها: باختلاس منقول مملوك للغير بدون رضائه وبنية تملكه، ولا يُشترط الحرز لإدانته بجريمة السرقة.. ويضيف الباحث أن الشريعة تفرق بين أخذ المال عنوة وهو الغصب، وبين الاختلاس الذي هو أخذه دون استعمال القوة، بينما يتسع مفهوم التعريف القانوني ليشملهما إلى جوار السرقة.

لا يختلف مفهوم السرقة في لسان العرب عن الفقه الإسلامي، والتي تٌعرف السرقة على أنها أخذ المال مختفياً فإن اختطفه أو اختلسه فلا قطع عليه لما روى جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ليس على المنتهب قطع)، وروي عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه قال: (ليس على الخائن ولا المختلس قطع) رواهما أبو داود. ولأن الله تعالى أوجب القطع على السارق، وهؤلاء ليسوا بسراق، ولأنه ليس بسارق فلا يقطع كجاحد الوديعة، وهذا اختيار أبي إسحاق بن شاقلا وأبي الخطاب، وهو قول الإمام مالك، وفي رواية أخرى: ورد وجوب القطع عليه؛ لما رُوي عن عائشة - رضي الله عنها -: أن امرأة كانت تستعير المتاع وتجحده؛ فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقطع يدها (متفق عليه)، وفي هذه الرواية تعاقب الشريعة على الغصب والاختلاس، لكن الأمر لا يزال ملتبساً في الفقه الإسلامي، وقد يفسر ذلك بعض الظواهر الحالية، وقد يعني أيضاً قصوراً في الفقه الإسلامي، والذي برغم من تطور أساليب السرقة وتعدد أنواعها إلا أنه ظل يعيش في ظل أعراف عصور خلت.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد