لم أصدق، وأنا أقرأ في بعض الصحف المحلية -قبل أيام-، ما ادعاه أحد المحامين، من أن أحد القضاة أمر بتقييد يديه ب«كلبش» في مجلس الحكم، وجره بأسياب المحكمة بقصد إهانة المهنة.
وآخر رفع خرامة الأوراق عليه بقصد ضربه. وثالث قام بتحريض الوكلاء بفسخ وكالة المحامي.. بسبب تقدمه بشكوى ضد القاضي. بل إن بعض المحامين يتعرض للشتم أثناء الجلسة، حتى وصل بعضها حد الإساءة المقصودة، -ناهيك- عن التلفظ الجارح، والتهكم غير المقصود. بل إن -المحامي- أحمد الراشد، كشف عما يواجهه المحامي في مجلس القاضي في بعض المحاكم من مضايقات، تصل أحيانا إلى الطرد من الجلسات دون وجه حق، أو إبداء مرئيات القاضي الذي يتعامل بقسوة مع المحامين.
ما ذكر أعلاه، هو جزء من صورة غير مقبولة -إن ثبتت-، وقع عليها أكثر من «50» محامياً، من أشهر المحامين في البلد، وأكبرهم سناً، وأقدمهم في المهنة. فهم الراصدون لمثل هذه المخالفات، ولهم القدرة على تكييفها بما يتوافق مع صريح الأنظمة. مع أن القاضي والمحامي يفترض أن يمثلا طرفا العدالة، والعلاقة بينهما يجب أن تكون تكاملية، بعيدة عن التعسف والتسلط والفوقية. وأذكر أن من بين ما كتب بهذا الخصوص، ما سطره الدكتور محمد المشوح، في مقاله -قبل أيام- وفيه: «إن المشاهدات اليومية التي نقف عليها، وإن كانت من بعض القضاة تجاه المحامين، من التأفف من دخولهم، والضيق من جلوسهم وحضورهم، يطرح كثيراً من التساؤلات عن مآل تلك العلاقة. ومن الطريف: أن بعض الزملاء القضاة، الذين كانوا يستنكفون ويستنكرون، أن يقوم بعض القضاة بالتعسف والمضايقة للمحامي، لم يكونوا يصدقون بذلك، ثم دارت عجلة الحياة، وانخرط بعض أولئك في سلك المحاماة، بعد أن ودعوا سلك القضاء، ورأوا بأعينهم ما كانوا يعدونه مبالغة وتهويلا، وسقوا من الكأس التي سقوا بها الآخرين بالأمس».
على أي حال، فإن من الإنصاف أن أقول: إن من قضاتنا من يشهد له بإنصافه ونزاهته. فليس هدف المقال، هو: إحصاء زلات وسلبيات البعض الآخر من القضاة؛ لمجرد الرغبة، وتجميع المعلومات، والتغلب عليهم، وإسقاطهم. فالقاضي يحمل في يده اليمنى سيف الحق، وفي يده الأخرى ميزان العدل. إلا أن من الظلم أن تبقى مثل هذه القضايا في طي الكتمان، وأن نتجاهل استمرار وتكرار مثل هذه الحالات، وأن ننسبها لمجرد حوادث فردية فقط. حتى وصل الحال، إلى أن الممارسات الصادرة عن بعض القضاة، تجعل من يريد الوصول إلى حقه، يتعرض -أحياناً- إلى مظالم داخل المحكمة، هو في غنى عنها.
أجزم أن حسن الخلق الراجح، هو أحد أركان ملكة العدالة، ولذا فإن ما نقرأه ونكتبه، يؤكد على حاجتنا إلى تربية وإيمان، تسل من أنفسنا مثل هذه السلوكيات، البعيدة كل البعد عن ديننا الحنيف. فللناس حرياتهم وحرماتهم وكراماتهم، التي لا يجوز -أبداً- أن تنتهك في صورة من الصور، ولا أن تمس بحال من الأحوال، سواء عن طريق قهره وعدم الاكتراث بآدميته، أو عن طريق إهدار حقوقه.
دعوني أحدثكم عن قضية فيها تجاوز من نوع آخر، حيث شكلت لجنة من ثلاثة قضاة للنظر فيها، إلا أن رئيس اللجنة كان يعقد الجلسات منفردا عن باقي أعضاء اللجنة، والعجيب أنه كان يكتب في الضبط، أن الجلسات عقدت بحضور باقي أعضاء اللجنة، ولا أدري ما السر في انفراد رئيس اللجنة عن باقي أعضائها في صنع القرارات؟. مع أن مثل هذا الإجراء مخالف للشرع والنظام. فهل مثل هذا العمل يفعله قضاة آخرون في محاضر جلسات المحاكم عند النظر في قضايا الناس، ويوقعون عليها رغم عدم حضورهم الجلسات، وعدم علمهم بالوقائع في القضايا المشتركة.
إن القضاء مهنة عظيمة، ورسالة سامية، فهو الحارس على حقوق الناس وحرياتهم، القائم على أسس سليمة، مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، -وبالتالي- لا بد أن تكون العلاقة بين القضاة وأطراف المجتمع على أساس الثقة والعدل، وأن يكون التعامل بين الجميع بالخلق الرفيع، إضافة إلى مراعاة الأنظمة.
قارب الوقت من منتصف الليل، وأنا غير معتاد على السهر؛ لهذا سأكتفي بهذا القدر من الشفافية، في حرية التعبير عن رأيي بكل أدب. وكم أتمنى أن يدرك -بعض هؤلاء- فداحة ما يرتكبونه في حق أنفسهم، وفي حق مهنتهم، وفي حق وطنهم. راجياً أن ينفتحوا على مقالتي، فالتفكير بصوت مسموع له نتائج أفضل، فإن كنت مخطئا فصوبوني، وإن كانت تلك هي الحقيقة كانت واضحة للجميع.
drsasq@gmail.com