كثيراً ما حاولت الإصغاء إلى ثلل من الشابات والشباب، وهم يتحاورون حول همومهم، تجدهم في كل مكان، يهاتفونك ويحدث أن تلتقي بهم مع أهلهم، وقد تستمع إليهم في وسائل الإعلام، وهم أيضاً يكاتبونك لأنهم يثقون بقلمك, وهم في كل بيت وشارع ومدرسة وجامعة, وقد ذهبت أحصيها ثم صنفتها في موضوعات:
فأول همومهم الدخل الشهري، ثم تأمين السكن والمواصلات، ثم مواجهة تكاليف النفقات على الخدمات العامة عند تأمين السكن بالقرض أو معونة الأهل، ثم عند الزواج تكاليفه وإن تيسرت بمعونات الأهل والأصدقاء والأقارب، وإن تقلص هذا الدور في السنوات الأخيرة بين القربى. تبقى هناك احتياجات التأسيس، وبعدها نفقات العلاج، والولادة ومن ثم تربية الأطفال في ضوء: ارتفاع تكاليف الولادة ومصاريف تغذية الطفل ومتابعة علاجه وطوارئ أمراضه، ثم بعد ذلك تكاليف دراسته وتعليمه ليواكب الحياة من حوله.. هذا إن كان طفلا واحدا فكيف عندما يزيد العدد وتتضاعف المسؤوليات؟ وهم يتحدثون كثيرا عن فرص الزيادة في الدخول وأساليبها ووسائلها فتأتي مطلقة الحرج، وضعيفة التوقع في نجاحها.
وعندما أنظر إليهم أذهب على الفور للتفكر في مقارنة همومنا حين كنا في سنوات أعمارهم وهمومهم، فبينما لم تكن المعيشة أولها، فإنها لم تكن آخرها، لكننا بالتأكيد لم نشغل بها حد الإرهاق الذي يعاني منه جيل الشباب الطامح النامي أمام عيوننا الآن.. لا أدري كيف نتطلع للجيل لأن ينخرط في التعلم والإنجاز، وننسى أننا قد تركناه لكبد التفكير في أبجديات معاشه..؟ هل يتحمل هذا الرهق التجار الذين يبالغون في رفع الأسعار؟ أم المالكون الذين يتسابقون بحمى رفع قيم العقار..؟ أم لعدم تكافؤ قدراتهم مع المتاح لهم من الوظائف..؟ أم وأم.