Al Jazirah NewsPaper Sunday  20/06/2010 G Issue 13779
الأحد 08 رجب 1431   العدد  13779
 

دفق قلم
بيوت مطمئنّة في شاشة غير مطمئنّة
عبد الرحمن بن صالح العشماوي

 

وقعت عيناي على قناةٍ فضائية تحمل اسم «بيوت مطمئنّة» فتوقفت عندها، وفي ذهني ذلك البرنامج الإذاعي المشهور بجودته وإبداعه وكثرة المستمعين له الذي يقدمه د.عادل عبدالجبار من خلال إذاعة القرآن الكريم، توقَّفت عند هذه القناة مستبشراً باسمها الجميل من خلال الصورة الذهنية الموجودة عندي لذلك البرنامج الإذاعي الناجح، فوجدت مستوىً لا يليق لا فنياً ولا إخراجاً ولا شكلاً، ولا مضموناً -في الغالب- بهذا الاسم الجميل، ووقع في نفسي شعور بالعتاب الشديد على الدكتور الفاضل عادل وغيره من القائمين على برنامج «بيوت مطمئنة» الإذاعي الرائع، وتساءلتُ: كيف يهبط المستوى في هذه الفضائية إلى هذه الدرجة؟ وحتى تكون الصورة واضحة، فإنني سأقدم لكم وصفاً من خلال مشاهدتي لهذه القناة لمدة ساعة كاملة في المساء، ونصف ساعة في الصباح.

شاشة القناة مقسمة على النحو التالي: مربع صغير في الجهة اليسرى بالنسبة إلى المشاهد تُعْرضُ فيها محاضرات دينية مسجَّلة لبعض المشائخ -صوتاً وصورةً-، ومجموعة من خطوط الرسائل «SMS» تجري لاهثة في الجزء العلوي من الشاشة، وخطوط أكثر منها عدداً في الجزء السفلي من الشاشة، وفي الجهة اليمنى من الشاشة الملاصقة لصورة الشيخ المحاضر مجموعة من خطوط الإعلانات المتحركة لجوالات خدمات صحية وغذائية مختلفة، ولكم أن تتخيَّلوا مدى تحقُّق الفائدة من كلام محاضرٍ محاطٍ بهذه الخطوط المرتعشة اللاَّهثة التي تتلاعب بأعين المشاهدين وتصرفهم شاءوا أم أبوا عن الاستماع إلى المحاضر مهما كان كلامه مفيداً.

لقد كان الشيخ المحاضر يتحدث عن الجنة ونعيمها والنار وأهوالها ويسرد من الآيات والأحاديث ما فيه موعظة وعبرة، ويتفاعل مع ذلك إلى درجة البكاء عند بعض الآيات، ومع أنني كنت أبذل جهداً للتركيز مع الشيخ إلا أنَّ الأشرطة المتراقصة كانت تصرفني بشكل عجيب، والمؤسف أنها تحمل من العبارات ما لا يليق بشاشة تحمل اسم «بيوت مطمئنَّة» فكيف بها وهي تحيط بشيخ فاضلٍ يتلو الآيات ويسرد الأحاديث ويعظ الناس، بينما الحوار الذي يدور بين المشاهدين والمشاهدات من خلال تلك الأشرطة المتحركة «الشات» يهبط إلى مستوى لا يليق بقناة فضائية تحترم نفسها، وإليكم المثل: فوجئت بعبارة مجاورة لوجه الشيخ المتحدث تقول: (الفخذان الممتلئان) ولم أكد أصدِّق ما رأت عيناي فاستنجدت ببعض الأهل للتأكد فأكد لي ذلك، وإذا بها عبارة دعاية لرقم جوَّال يعطي نصائح لإنقاص الوزن، والخطوط الأخرى تحمل عبارات مشابهة «شدّ الوجه» «تبييض البشرة» وما شابهها من العبارات التي ترافق كلام الشيخ عن الجنة والنار، أما الحوارات الأخرى فهي من المهازل التي أعجب للقائمين على هذه القناة التي تحمل هذا الاسم الجميل العزيز علينا جميعاً، كيف يسمون بها، وهل الحصول على شيء من المال من خلال هذه الرسائل يسوِّغ السكوت عن هذه الرسائل «غير اللائقة» وفيها من العبارات «السوقية» ما لا يليق، مهما كان التسويغ.

وهنا أوجِّه رسالة إلى القائمين على جميع القنوات التي تصف نفسها بالالتزام أن تكون لديهم مراقبة دقيقة لهذه الأشرطة التي تحمل من الحوارات ما هو مضحك فعلاً، ولكن على طريقة «شر البليَّة ما يضحك».

إن الإعلام فنٌّ ذو مواصفات دقيقة، من أهمها الانسجام بين الشكل والمضمون، والقنوات الملتزمة أولى من غيرها بمراعاة هذا الجانب لأن إتقان العمل مطلب شرعي.

لقد سألت عن هذه القناة «بيوت مطمئنّة» فقيل لي: إنها ليست تابعة لبرنامجنا الإذاعي الحبيب «بيوت مطمئنّة» وإني لأرجو أن يكون هذا الكلام صحيحاً، بل هو ما أرجِّحه وأميل إليه.

إشارة:

نحن نحتاج إلى جيل له

همَّه ترقى به أعلى القمم

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد