فاصلة:
(يقرب الشوق دارا وهي نازحة... من عالج الشوق لم يستبعد الدارا)
- العباس بن الأحنف -
هذا الصباح يبدو دافئاً، بدأ الصيف في مانشستر، الشمس تنتشر في كل مكان رغم الهواء البارد لكنه لا يشبه أبداً هواء الشتاء.
أودّع الصغار في مدارسهم وأعود إلى القراءة والكتابة لأهم تقرير على أي طالب دكتوراه أن يسلمه ليناقشه الممتحنين فيه في نهاية السنة الأولى، ليتم تحديد قدرته على مواصلة الدراسة والانتقال إلى السنة الثانية.
إعداد هذا التقرير يتطلب قراءة الكثير من الأطروحات العلمية والمقالات العلمية.. شيء يختلف تماماً عما كنت أفعل في دراستي للماجستير، في الغرب لديهم تركيز كبير على رؤية الباحث وفكره لما يقرأ ويهتمون بالتفكير النقدي الذي لم نتعلمه في مدارسنا للأسف.
ما زلت أذكر كيف تغضب مني مدرسة الرسم في مدرستي الابتدائية لأنني ما كنت أقبل أن أرسم ما تطلب منا، وأتساءل لماذا أرسم ما تريد وليس ما أريد؟!
تعلمنا في مدارسنا وجامعاتنا أننا أقل من أن ننتقد علماء، لكن الإنجليز يعلمونك كيف تنتقد أي نظرية بتقديم أدلة علمية على نقدك.
ربما أحتاج إلى أن أمسح من ذاكرتي كثيراً مما تعلمته من مبادئ البحث العلمي قبل أن ألتحق بركب طلبة العلم في الخارج.
أسابيع قليلة سوف تبدأ الإجازة الصيفية للمدارس بمراحلها المختلفة رغم أن دارسي البكالوريوس في الجامعات قد أنهوا اختباراتهم في شهر مايو.
سيبدأ الاستعداد لإجازة الصيف في بريطانيا وهي قصيرة لكن أحلام المغتربين تتسع ليعيشوها في بلادهم بعض الوقت خصوصاً أنها تتزامن مع شهر رمضان.
عامان لم أعش رمضان في الرياض ومر العيد هنا في العامين الماضيين كما تمر الأيام سريعاً حتى لم أعد أذكره.
هذا العام أصّرت البنات أن نعيش رمضان والعيد في الرياض، فوافقت تحت توسلاتهن، وتساءلت في نفسي.. عامان مرّا وما زال الشوق يحركهن إلى زيارة الرياض، خلت الحياة هنا بصخبها واختلافها الكبير ستنسيهن الرياض.
كنت أحسب أنني الوحيدة التي أحنّ إلى الرياض.. إلى وجهها الذي أرى فيه وجه أمي وأبي، وأنفاسها التي أشتم فيها رائحة الأرض.
يقولون.. صيف الرياض حار هذا العام وأعرفه جيداً ولا أنساه أبداً، لكنه الحنين الذي يجعلك تبدل النسيم البارد المنعش بالهواء الساخن.
أشياء كثيرة ربما صغيرة، لكن يشعر بها المغترب وحده لأنه يشعر الغربة حتى لو سافر مع أسرته.
الغصة التي تأتي في الحلق إذا تذكرت والديك والدمعة التي تحبسها لأنك تشعر أنك متعب، لكن عليك أن تكون صامداً متماسكاً حتى النهاية لتحقيق هدفك هي جزء من ونيس وحدتك.
عندما تعيش في بلدك وتزور والديك باستمرار وتقبل اليد الغالية وهامة الرأس العزيزة دوماً لا تشعر أبداً باحتياج إلى من يربت على كتفك لأنك متعب أو يحضنك لأنك بحاجة إلى الراحة.
في الغربة أشياء صغيرة تحرك الحنين بداخلك إلى أيامك الماضية وذكرياتك السابقة في بلدك.
nahedsb@hotmail.com