شرفت محافظة جدة في الأيام الماضية بإقامة أول مؤتمر عالمي لتعليم القرآن الكريم، تحت رعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز- حفظه الله-، وياله من شرف ارتبط بشرف العلم وهو القرآن الكريم، كتاب الله تعالى المعجزة الخالدة، والدستور القويم الذي تعهد الله تعالى بحفظه، وأخبر نبيه - صلى الله عليه وسلم - بكونه سبيل نجاة من الضلال لمن تمسك به.
وانطلاق مثل هذا المؤتمر من المملكة العربية السعودية انطلاق مبارك غير غريب؛ فقد كان لها قصب السبق في العناية بالقرآن الكريم منذ عهد مؤسسها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن - رحمه الله - وذلك في صور عديدة من أهمها: اتخاذ القرآن دستورا للحكم، والعناية به تعلما وتعليما فانتشرت مراكز تحفيظ القرآن، وانطلقت مسابقات حفظ القرآن على مستوى محلي وعالمي، ولا تكاد تلتفت يمنة ولا يسرة إلا وتجد ما يدل على هذه العناية، فتلك قناة فضائية وإذاعة صوتية للقرآن الكريم، وذاك مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة النبوية، وهذه الهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم التابعة لرابطة العالم الإسلامي، ثم هذا أول مؤتمر عالمي لتعليم القرآن الكريم ويبقى الفخر والاعتزاز لكل مسلم بهذا التوفيق لخدمة كتاب الله العزيز.
ومع انطلاق جلسات المؤتمر المتتالية والحضور المميز، في أجواء إيمانية روحانية، انبثقت الأفكار والمقترحات فكان منها اقتراح: إنشاء كلية للقرآن الكريم بمحافظة جدة، لتجمع بين الحسنيين: استضافة المؤتمر العالمي الأول لتعليم القرآن الكريم، وإنشاء كلية للقرآن الكريم كثمرة من ثمار هذا المؤتمر، وكانت سعادتي غامرة لما أعلنت توصيات المؤتمر، فوافقت ما كنت تمنيته، حيث كان من التوصيات: تشجيع افتتاح معاهد وكليات وأقسام للقرآن الكريم وعلومه، تمد الأمة بجيل من المتخصصين في علوم القرآن، وتقدم الخبرات والاستشارات العلمية لمؤسسات المجتمعات المسلمة في مجال القرآن الكريم وعلومه، ومناشدة وزارات التربية والتعليم والجامعات في العالم الإسلامي أن تجعل من تعليم القرآن الكريم أولى اهتماماتها، وأن توفر الفرص الكافية للدارسين باختلاف مراحلهم لتعلم القرآن الكريم وتدبره والاتعاظ بما فيه.
ولا تخفى أهمية هذه التوصيات في ظل ما توليه المملكة العربية السعودية من اهتمام بالقرآن الكريم، وفي ظل حاجة المجتمع الماسة لذلك؛ فوجود جهة أكاديمية متخصصة في كل ما يتعلق بالقرآن الكريم فهما وحفظا وتدبرا وتطبيقا يكفل- بإذن الله تعالى- المرجعية العلمية المسؤولة من جهة ويسد ثغرة من جهة أخرى، فالفهم الصحيح للقرآن الكريم المبني على المنهج الوسطي القويم الذي جاء به الدين مقترنا بالعمل هو منهج السلف الصالح، وهو هدف أساس خاصة في مثل هذه الأزمان التي حصل فيها الكثير من الانحراف والفساد بناء على الفهم السقيم لنصوص الشرع.
كما أن إنشاء مثل هذه الكليات يخدم قضايا مهمة ومنها الإجازة المنضبطة التي شدد عليها الباحثون في المؤتمر فتحد من التوسع الحاصل في إعطائها بلا ضوابط علمية وفي ذلك مزيد عناية بالقرآن الكريم.
وبقراءة تطبيقية لهذه التوصيات تزداد التبعة على جامعاتنا العريقة بأن يكون ذلك واقعا ملموسا خاصة في مهبط الوحي مكة المكرمة، بإنشاء كلية للقرآن الكريم تعنى عناية خاصة بكل ما يتعلق بعلوم القرآن الكريم والقراءات على وجه أكثر تفصيلا من مجرد الأقسام، والحاجة تزداد في جدة، وقد تعودنا من جامعاتنا العريقة المبادرة لكل نافع فما ذلك عن جامعة أم القرى وجامعة الملك عبدالعزيز ببعيد، نسأل الله تعالى أن يؤتي هذا المؤتمر المبارك ثماره يانعة طيبة مبارك فيها وأن يوفق الجميع لخدمة كتابه الكريم.
* عضو هيئة تدريس بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة