البحرين - «الجزيرة»
دعا رئيس المجلس الأعلى للقضاء وإمام وخطيب المسجد الحرام معالي الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد، شباب الأمة إلى التسلح بالإيمان والعلم لمواكبة تطورات العصر، وأن يكونوا قدوة حسنة لغيرهم في كل مناحي الحياة.
جاء ذلك خلال المحاضرة التي ألقاها الأسبوع الماضي بجامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي بمملكة البحرين، والتي نظمها المجلس الأعلى للقضاء بالتعاون مع وزارة العدل والشؤون الإسلامية، بعنوان عنوان: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}. مراجعات في مسيرة الشباب المسلم المعاصر.
وأوضح الدكتور بن حميد في معرض حديثه أن موضوع المحاضرة على قدر كبير من الأهمية لما تواجهه الأمة الإسلامية اليوم من تحديات كثيرة، وانفتاح على ثقافات العالم، مما يحتم على كل مسؤول أن يقف وقفة جادة لتبصير الشباب، في سبيل معالجة أحوال بعض الشباب من غياب الأهداف وضبابية الرؤية، والقرارات المرتجلة، وإضاعة الأوقات، وفقدان الحوار الهادف والابتكار والإبداع والتجديد وغيرها، مشيراً إلى أن العالم يعيش متغيرات متلاحقة وسريعة، الأمر الذي يوحي بضرورة مراجعة مسارات وطرق وأدوات وآليات الخطاب الديني بين فترة وأخرى.
وقال: لئن كان الحديث منتشراً في جلد الذات والنقد الشديد المورث للإحباط أو لإلقاء المسؤولية والتبعة على الغير فإن هناك وعياً حسناً وثقافة مضيئة ينبغي التنبيه إليها وصرف الأنظار إليها لا سيما في عصر المتغيرات الذي تعددت فيه وسائل المعرفة والاتصال المعرفي والتواصل العلمي.
وتناول د. بن حميد عوامل بناء الشخصية ومن أبرزها عامل المبادرة، وقال: «معنى المبادرة أن تكون أنت المسؤول عن حياتك وعما يحدث لك فيها وإذا أردت أن تغير أي شيء في حياتك فابدأ بالتغيير من نفسك، فلا يمكن لأحد أن يغضبك إلا أن تغضب أنت، ولا يمكن لأحد أن يهينك إلا إذا قبلت الإهانة». مشيراً إلى ضرورة أن يعوّد المسلم نفسه بالمحاسبة حتى لا يلوم غيره ولا يعلق أخطاءه على غيره.
وتابع: «إنهم لن يستطيعوا أن يأخذوا عزتنا إلا إذا أعطيناهم إياها، وكل العوامل الخارجية مهما بدت ضاغطة فإنه من الممكن السيطرة عليها أي أنك إنسان حر مبادر وأنت الذي تقرر الفعل ورد الفعل».
وفيما يتعلق بالعامل الثاني من عوامل بناء الشخصية أشار الدكتور بن حميد إلى ضرورة إسهام الشباب في تخطيط حياتهم، إذ لابد أن تكون الأهداف محددة غير غامضة ولا مطاطة لا يصعب تحقيقها أو قياسها، وأن تكون واقعية غير مستحيلة ولا خيالية وأن تكون طموحة، ثم يتم الشروع في تنفيذ تلك الأهداف وفق أسس علمية واضحة المعالم.
ومن ضمن العوامل التي تسهم في بناء النفس، تقديم الأهم ثم المهم وهو ما يمثل طريقة الفرد في الإدارة في تحقيق الأهداف، أي: كيف تدير ما حولك من إمكانات وعوامل لتحقق أهدافك. لافتاً إلى الفرق بين الإدارة والقيادة، فالقيادة هي معرفة الأهداف والأولويات وتصنيف المؤثرات في العمل والإدارة، أما الإدارة فهي توظيف الإمكانات المتاحة لتحقيق الأهداف المحددة.
وقال إمام وخطيب المسجد الحرام: إن أساس التعامل مع الآخرين أن يدرك الفرد أن الإنسان مدني بطبعه لا يعيش وحده، ويعتقد بأهمية التنافس الشريف البناء، ويقدّر المصلحة للجميع. لافتاً لبعض الحكم التي قيلت في هذا الصدد منها «أفضل طريقة لمضاعفة السعادة أن تقسمها»، و»لا يمكنك أن تحمل مصباحاً تنير به طريقك دون أن تملأ الطريق كله بالضوء».
وتابع: «يجسد ذلك في ديننا التنبه والتنبيه إلى سعة فضل الله وجوده ورحمته وأن ما في الدنيا والآخرة يسع الجميع ويفيض»، مدللاً بعدد من الآيات والأحاديث منها قوله تعالى: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.
ومن جملة العوامل التي لها أثرها الفاعل في بناء الشخصية وضبط العلاقة مع الآخرين أشار الدكتور بن حميد إلى عامل: «التمكن من مهارة إتقان فن الاستماع»، فالاستماع الجيد يورث التقدير والاحترام والثقة بالنفس ويخفف من حدة الخلاف ويفتح ميادين الحوار والفهم والتفاهم، مضيفاً بأن الكثير من الناس لا يستمعون بهدف الفهم بل بهدف الرد وهذه مشكلة ويتجلى الإشكال والفجوة حين يكون المتحدثان مختلفي المستويات إما في الثقافة أو في العمر أو في المستوى التعليمي أو حتى في المستوى الاجتماعي.
وتابع: «مبدأ التعاون من أهم المبادئ الفاعلة في بناء النفس وضبط العلاقة مع الآخرين، ففي التعاون لا يحل الفرد مشكلته بعقله وحده، ولا ينجز أموره بجهده وحده، بل إنه يستعين بعقول الآخرين وجهودهم»، لافتاً إلى كثير من النصوص القرآنية التي تحث على التعاون منها: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى}، و{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}، والحديث النبوي: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك بين أصابعه».
وختم الدكتور صالح بن حميد محاضرته بالحديث عن ضرورة التجديد الذاتي المستمر، موضحاً أنه من أجل أن يستمر التجديد ويدوم الإنتاج ولا ينقطع التحصيل لا بد من الراحة وما يجدد النشاط، فالإنسان روح وعقل وجسد ولكل جزء منها حقه، ولقد اعتنى ديننا الحنيف بالإنسان روحاً وجسداً وعقلاً وعلاقات اجتماعية لا يطغى جانب على جانب ولا يكون جانب على حساب جانب. ودلل على ذلك بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم في حاله مع أهله في مسامرتهم ومضاحكتهم ومسابقتهم ومع أصحابه مع قيامه بمهمة البلاغ والدعوة والجهاد.