لا توجد راية أعز مكانة، ولا عَلم أسمى وأعلى من علم المملكة العربية السعودية، فهو راية التوحيد، والعَلم الذي يحمل الشهادتين (لا إله إلا الله محمداً رسول الله)، وهو العَلم الذي لم ينكس ولن ينكس بإذن الله تكريماً لكلمة التوحيد، واعتزازاً بما تحمله هذه الراية من مضامين.
والعَلم كما تعّرفه الموسوعات العلمية: راية ترفعها الدولة لتكون سمة أو علامة تميزها عن غيرها من الدول، وهو رمز لأرض الوطن، وللشعب، وللحكومة، وللمثل التي يؤمن بها أبناء الأمة، وهو في الرخاء والشدة، في السلم والحرب، يحرك في الناس المشاعر، ويبث فيهم روح الشجاعة، ويقودهم إلى التضحية، ولذا يحرص الجند في الحروب منذ قدم التاريخ ألا تسقط راية الجيش، وهم يعهدون بها إلى أقوى الرجال بأساً، وكلنا نعرف قصة حمل الخليفة الراشد علي، وقصة جعفر بن أبي طالب، والصحابة مع الراية، واستبسالهم في عدم سقوطها.
والأعلام والرايات كما أشرت قديمة قدم الحضارات، فكل قوم وجماعة وأمة وحضارة كانت لهم أعلام ورايات خاصة بهم، ويكون لهذه الرايات والأعلام دلالات ترتبط بالأرض والدين والعرق، وكانت هذه الرايات والأعلام تحمل كتابات أو رموزاً يستخدمونها في السلم والحرب، وعلى مر التاريخ استخدمت الدول أعلاماً متماثلة أو متباينة بحسب الدلالات التي تهدف لها، وهناك من الدول من مضى على علمها وشعارها مئات السنين لم يتغير أبداً، ومنها على سبيل المثال الدانمرك التي ظلت تستخدم العلم الوطني لمدة تزيد على (750) عاماً، وهو العلم الذي استخدمه الملك فالديمار منذ عام 1219م.
وللأعلام كما هو معلوم أشكال ومقاسات تستخدم بحسب المناسبات والمواسم والطقوس.. ويذكر د. عبدالرحمن الحمودي في كتابه «الدبلوماسية والمراسم السعودية وفقاً للمصادر التاريخية» إن أول راية لتوحيد الدولة رفعت في الدور السعودي الأول كانت سنة 1157هـ-1841م، وأن البداية كانت لون العلم أخضر وشكله مستطيل رأسياً، طوله يساوي ثلثي عرضه تقريباً، تتوسطه الشهادة (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وقد كتبت باللون الأبيض، وتحتها عبارة «نصر من الله وفتح قريب»، ثم سيف منحن».
وقد اتخذ الملك الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- بعد فترة من توحيد المملكة، العلم الحالي الذي يحمل شهادة (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وهي شهادة التوحيد، والركن الأساس الذي تقوم عليه بقية الأركان، وتبنى عليه سائر أحكام الدين، لقد اختار الموحد الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- ذلك للتأكيد على ما قامت عليه هذه الدولة المباركة في القرن الثاني عشر الهجري، حينما ظهر الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب، ونصر دعوته وأيدها الإمام محمد بن سعود -رحمهم الله-، ودعوا جميعاً إلى تجريد التوحيد، وإخلاص العبادة لله وحده، ونبذ البدع والشرك، فبارك الله بهذه المسيرة، وقد بذل أئمة الدولة السعودية في دوريها الأول والثاني جهوداً كبيرة في نصرة التوحيد والسنة، واقتفاء المنهج الذي كان عليه نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، فحقق الله -سبحانه وتعالى- النصر والتمكين لهم أمام أعداء الدعوة، ثم واصل المسيرة الملك المؤسس -رحمه الله-، وهذه الدولة قامت على أساس العقيدة الإسلامية الصحيحة المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومنهج السلف الصالح، تناصر الحق والعدل، وتقيم الأمن والاستقرار، وتسخر كافة إمكانياتها لخدمة الإسلام والمسلمين، والحكم بما أنزل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصح للمسلمين.
لقد غرس الملك عبدالعزيز -رحمه الله- في هذه الأرض المباركة، وحدة الصف، ووحدة الكلمة، تحت راية التوحيد، وفي ظل الدعوة السلفية، لقد قامت مملكتنا الغالية على هذه الأسس، فتوحدت بعد شتات وفرقة، وعلت عليها راية التوحيد الخفاقة، فأعز الله أهلها بعد ذل، وأغناهم بعد فقر، وعلمهم بعد جهل، وآمنهم بعد خوف، وتقدموا الركب بعد أن كانوا في مؤخرته، وهذا الأمر بعد توفيق الله وعونه، لم يأت إلا بعد جهد وجهاد من أجل إعلاء كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، ومن أجل إقامة هذا الصرح الشامخ، حتى تحققت -ولله الحمد- نصرة التوحيد، والعمل بالشريعة، وتوطيد الأمن، والأخذ بأسباب النهضة والنمو والتطور، وأضحت البلاد عزيزة شامخة بين البلدان.
وانطلاقاً من رسالة المملكة العربية السعودية المنبثقة من رسالة الإسلام العالمية الخالدة التي تدعو إلى الرحمة والخير والعدل والتسامح والتعاون على البر والتقوى، تقوم المملكة بجهد عظيم في خدمة الإسلام والمسلمين على مختلف الأصعدة، وتقدم الخدمات والمعونات، وتنافح وتدافع عن قضايا المسلمين، وترفدهم وتعينهم بالمساعدات والمعونات، وتنجدهم عند الكرب، وتفرج عليهم عند الضيق والحاجة.
وأعود بالإشارة لما بدأت به هذه المقالة حول راية التوحيد، ومع عمل متميز في موقع متميز اختاره صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز -أمير منطقة الرياض -حفظه الله- حين رفع في الدرعية أعلى علم في المملكة العربية السعودية لهذه البلاد، ولهذا العمل بلاشك ارتباط بالأساس، فمن المعلوم أن هذه البلاد لم تقم إلا على أسس وقواعد محكمة، هي قواعد الشريعة الإسلامية -والحمد لله-، وهو تأكيد لما أنعم الله به على بلادنا المباركة المملكة العربية السعودية من نعمة التوحيد التي نصرها وأيدها الإمام محمد بن سعود -رحمه الله-، وأحفاده -رحمهم الله-، ثم هيأ لها الملك عبدالعزيز -رحمه الله- الذي جمع الكلمة، ووحد الصف، ووحد الكلمة، وفي ظل الدعوة السلفية توحدت الأقاليم، وتوحدت الجماعات، حتى أصبحت المملكة أنموذجاً ومثالاً حياً للوحدة الوطنية الإيمانية، وحدة تعي واجباتها نحو ربها، ونحو ولاة أمرها، ونحو بلادها ومجتمعها.
لقد كان لهذا العمل الجليل، وفي هذا الوقت بالذات، أهمية قصوى لما يحمله من دلالات حسية ومعنوية، وللتأكيد على أن اليوم هو كالأمس في الاستمساك بهذا الأصل الأصيل، وكما عبر عنه معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ - وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، مخاطباً الأمير سلمان بن عبدالعزيز عن هذا العمل قائلاً :(أنتم يا سمو الأمير لكم من هذا المعنى القدح المعلّى، ولكم من هذا المعنى قصب السبق، فكان الناس في زمن طويل قريب يتنازعون في أمور شتى فكرية، وذات معانٍ داخلية أو خارجية، فوجد الناس أنكم اتجهتم بنظر الجميع للدرعية حيث أقيمت الدولة السعودية الأولى وسط مخاض فكري كبير، ووسط تراشق في مقالات وإعلام، ووسط تنازع فكري بين هذا وذاك، لتضعوا التوجه الحقيقي، وكلمة الفصل في أنه لا مكان للادينيين بيننا، لا مكان للذين لا يحفلون بهذا الدين بيننا، لا مكان للذين لا يقيمون الكتاب والسنة ومنهج سلف هذه الأمة بيننا، ورفعتم في الدرعية أعلى علم في المملكة العربية السعودية لهذه البلاد، وهذه لها دلالات سياسية، ولها دلالات دينية، ولها دلالات تجعل لكم قصب السبق في توجيه الناس إلى هذه المدارك العظيمة).
alomari1420@yahoo.com