في يوم الثلاثاء الرابع من جمادى الآخرة لعام 1431 للهجرة ذهبت للمدرسة أحمل حقيبتي على ظهري، كان يوماً عادياً ككل الأيام، دخلت مدرستي فها هم زملائي الصغار يلعبون ويمرحون في كل مكان يملؤون جنبات تلك المدرسة صخباً وضجيجاً كعادتهم غير أن الذي لفت انتباهي هم أساتذتي فقد كانوا متحلقين حول بعضهم، كان بادياً على وجوههم الحزن والأسى، سمعت بعضاً منهم يسترجع وآخر يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وقد أطرقت رؤوسهم إلى الأرض، سرعان ما انعكس ذلك على زملائي الطلاب، أخذت أصواتهم تنخفض شيئاً فشيئاً وضحكاتهم تتلاشى حتى خيم الوجوم على كل شيء، دخلنا إلى فصولنا الدراسية، كنا ننتظر معلمنا على أحر من الجمر، كانت الشمس تخبر عن كل من يأتي إلى فصلنا من خلال ظله فنقول هذا هو معلمنا أبو وائل، توالى المعلمون واحداً تلو الآخر لم يكن أبو وائل معهم، كل معلم يدخل ينظر إلى طاولة معلمنا ثم يسترجع ويذهب، أحسسنا أن هناك شيئاً ما، قطع أحد المعلمين تفكيرنا وحيرتنا وقف أمامنا، بادره أحد الطلاب وقال: أين معلمنا؟ خفض ذلك المعلم رأسه إلى الأرض، سالت دمعة من عينه كفكفها وكأنه لا يريدنا أن نراها رفع رأسه خنقته عبرة أخذ يدفعها ثم قال: لقد ذهب إلى ربه، في بداية الأمر لم يكن عقلي ليستوعب تلك العبارة وخصوصاً أن عمري لم يتجاوز التاسعة، لم يدعنا نفكر كثيراً أردف قائلاً: لقد اختاره الله إلى جواره وهو الآن سوف يذهب إن شاء الله إلى الجنة عند ربه، ثم سألنا قائلاً: أليس هو كان يحبكم وتحبونه ويأتي لكم بالهدايا ويمازحكم ويضحك معكم؟ لم يجبه أحد منا، أنزل رأسه إلى الأرض ثم خرج. تسارعت الأسئلة ولم أستطع الإجابة على شيء منها، أحقاً أن معلمنا لن يأتي أبداً؟ أحقاً أن معلمنا والذي كان يمازحنا قد رحل إلى الأبد؟ كان يغمض عيني زميلي فيقول من بجانبك؟ من خلفك؟ من أمامك؟ فإذا أجاب أعطاه جائزة وصفق له الجميع وهم يضحكون. لقد علم في الأسبوع الفائت أنني قد اعتمرت مع والدي فما كان منه إلا أن أحضر هدية لي وقال لزملائي: صفقوا لسلمان فقد اعتمر. كان يحثنا على الصلاة وبر الوالدين والصدقة والإشفاق والرحمة بالآخرين، ذكريات لم تكن بعيدة بل كانت قريبة مني. خرجنا من المدرسة وقد لفنا الحزن جميعاً، بعد لحظات علمنا أن ذلك المعلم لم يمت ميتة عادية بل مات مقتولاً غدراً من وراء ظهره، اشتد حزننا عليه بل إن صورة ذلك المعلم لا تفارق مخيلتي، كان معي أينما ذهبت، بتلك الابتسامة العذبة، لم يعد لي من الكلام إلا أن أقول: حسبي الله على من اغتال ذلك المربي والمعلم من بين أيدينا وتركنا نعيش على ذكرياته الجميلة.هذه كلمات ترجمتها من أحاسيس ابني سلمان إلى روح المعلم الفاضل الخلوق حمد الدريعي رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.
محمد فريح الحربي – بريدة