عندما كتبت وكتب غيري قبل فترة عن ضرورة رصد التجارب الناجحة التي تولد في ميداننا التربوي بمبادرة من بعض منسوبي التربية والتعليم وعندما ذكرت في مقال سابق أن: هناك مشاريع وتجارب لعدد كبير من المعلمين، تأخذ صفة المبادرة الفردية ويتحمل أصحابها الكثير والكثير من الأعباء المالية والتبعات الإدارية، في سبيل الاعتراف بها ومنحها حقها المشروع في الحياة والظهور للسطح التربوي، وأنا هنا أسأل: ألا تستحق مثل هذه المبادرات أن ترصد وتدرس وتطور ثم تعمم على بقية إدارات التربية والتعليم، وإليكم ما قرأته عن تجربة رائدة لأحد المعلمين السعوديين في الميدان، حيث نجح أستاذ الصف الأول في مدرسة تحفيظ القرآن الكريم الابتدائية بالدمام، المربي رائد السلولي، في تحويل صفه إلى صف من (الطراز الأول)، من خلال رفع شعار رفعه وكرّس جهوده من أجله (دراسة... وناسة... حب... وحزم)، إذ استطاع تطوير الفصل وتحويله إلى (فضاء إبداع)، عبر استخدام الألوان الطبيعية في دهان الفصل، ووضع جهاز عرض مرئي (بروجكتر) لشرح الدروس للطلاب، وعمل على التواصل مع أولياء الأمور، عن طريق خدمة الرسائل القصيرة (SMS)، التي (وفّرت الوقت والجهد، وعناء حضور الآباء إلى المدرسة)، كما حرص هذا المعلم المبدع على استخدام سماعة كبيرة ولاقطات صوتية تتوزّع على المعلم والطالب أثناء المناقشة، حتى يستمع جميع الطلاب في الفصل إلى الحوار وإجابات الأسئلة. واقرؤوا معي ماذا يقول هذا المعلم الرائد عن تجربته الرائدة: (إنّ عملية تطوير الفصل وتجهيزه استغرقت أربع سنوات)، واصفاً الفكرة في بدايتها (أشبه بالحلم الصعب، نظراً إلى التكاليف الباهظة وصعوبة التصميم). ولم يكتف بذلك، بل قام بإنشاء موقع إلكتروني خاص بالفصل، واتفق مع إحدى الشركات المزوّدة لخدمة الرسائل القصيرة، لتزويده بالخدمة، إذ استطاع بواسطة هذه التقنية (التواصل مع أولياء أمور الطلاب، وإطلاعهم على أداء أبنائهم، ما وفّر على ولي أمر الطالب عناء القدوم إلى المدرسة)، ولم ينس عنصر التحفيز داخل هذا الصف الجميل، حيث إنه وضع سلّة هدايا في إحدى زوايا غرفة صفه المتميز، لتحفيز الطالب على حل الواجبات المنزلية، والمشاركة الفعالة أثناء الحصة الدراسية). وختمت مقالي مؤكدا (أنّ هناك آلاف مثل هذا المعلم المبدع، ولكنهم يحتاجون من يفتش عنهم ويرصد تجاربهم التربوية ويدرسها، ثم يطوّرها لتصبح نموذجاً يحتذى به في مسيرتنا نحو التطوير واستثمار الأفكار الناجحة لصناعة مستقبلنا التربوي، لتحقيق تنمية مستدامة أساسها الإنسان السعودي).
وقبل فترة قصيرة سعد الميدان التربوي بما أصدره نائب وزير التربية والتعليم من تعميم لجميع إدارات التربية والتعليم بالمناطق والمحافظات (بنين وبنات) تضمن ذاك التعميم حصر البرامج والمشروعات والتجارب التربوية على مستوى إدارات التربية والتعليم و المدارس التابعة، وتعبئة كل مشروع على حده وفق نموذج موحد تم تزويد جميع إدارات التربية والتعليم بالمناطق والمحافظات بصورة منه، ومن ثم إرسالها إلى الإدارة العامة للبرامج والمشروعات التربوية بوكالة التخطيط والتطوير على العنوان البريدي Almatrodi@moe.gov.sa, تمهيداً لاختيار أفضل المشروعات التربوية والتجارب لتكون ضمن اللقاء العام للمشروعات والتجارب التربوية المتميزة، وتضمينها دليل الوزارة للمشروعات، والوزارة أكدت أنها لن تكتفي بالرصد والحصر فقط بل سيكون هناك زيارات من مشرفي إدارة البرامج والمشروعات التربوية وكالتي التعليم (بنين وبنات) للاطلاع على بعضٍ من هذه المشروعات والتجارب.، وفعلا أنجزت الوزارة وعدها في رصد وتتبع الطرق المؤدية إلى «نجاحاتنا الوطنية» في الميدان التربوي، بل وتوجت ذلك كله بلقاء مشرفي ومشرفات المشروعات التربوية، وما صحبه من عرض لأوراق عمل لأبرز المشروعات المقامة في المعرض المصاحب لذلك اللقاء النوعي والذي حظي بزيارة صاحب السمو الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد آل سعود وزير التربية والتعليم بحضور معالي النائب والنواب ووكلاء الوزارة ومدير التربية والتعليم في المناطق والمحافظات،
وأخيرا الميدان التربوي يعلق أمالا حقيقية على التوصيات والرؤى التطويرية التي شهدها ذلك اللقاء المبارك ومنها :إقامة ورش تدريبية للعاملين في الميدان التربوي واستضافة خبراء في مجال المشاريع التربوية لعلنا نصل إلى صيغة نجاح معتمدة قابلة للاستنساخ والتعميم، كما يطالب الميدان التربوي بالاستعجال في إصدار نماذج المشروع لتزويد مشرفي البرامج والمشروعات ببرامج تربوية عالمية مميزة ليختاروا منها ما يناسب بيئتهم التعليمية وطلابهم، ثم ويطورنها بعد مواءمتها مع الفريق المختص بتلك المشروعات التربوية تحقيقا لمصلحة الوطن ومن أجل تنمية مستدامة للإنسان السعودي.