كثير من شباب اليوم، مهتمّون بالدراسات العلمية في الكيمياء والفيزياء، والجيولوجيا والأحياء، وعلم النفس والاجتماع، وكثير منهم يتفاعل مع هذه النفس في المختبرات والتحاليل ومع غيرها من الكائنات:
تحليلاً وتركيباً وتخطيطاً وتشريحاً، وغير ذلك من أمور كثيرة، حيث كانت المعامل والمختبرات جزءاً من الحياة العلمية اليوم، التي يهتم بها الشباب ويستهويهم التجديد في البحث والاستقصاء في المجالات العلمية.
وما ذلك إلا أن النفس البشرية يعجبها الخوض في الأمور الجديدة، التي لم تعهدها ثقافة وتعليماً، باعتبار أن هذا مما ابتكره العقل البشري بتسخير من الله سبحانه، وتعليمه لهم، كشيء من أسرار الحياة الحاضرة بجديدها ومخترعاتها وصدق الله في قوله الكريم: (وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) (85) سورة الإسراء.
وإن كان عقل بعض الماديين عن السِّر المهم وراء ذلك وهو ربطهم بخالقهم سبحانه، وقدرته التي لا حدود لها وتقف أمامها قدرات البشر عاجزة وخاضعة لله وأن الإنسان مهما أعطي من ذكاء وقدرة واختراع فإنما هو من علم الله الذي هيأه له.
هذه الناحية يغفل عنها الماديون، ولكنها عند المسلم تعني شيئاً مهماً، وهو التفكر والعبادة اللذين أمر الله بهما ليجول في فكره تبصراً وربط ذلك بعقله عقيدة بالله سبحانه، مقدِّر الأمور ومسبِّب الأسباب.
والشباب الذين يعجبون ويتعلقون بالمبتكرات الجديدة والمخترعات الحديثة وخاصة أجهزة الاتصالات والكمبيوتر في تطورهما، وسرعة تلاحق المستجدات فيهما، بما يحيِّر الشاب الذي يهتم بهذا النوع من المبتكرات، وبكل شيء جديد وأثرها في البيئة، وعمله في المجتمع لأنه قد يشعر بحاجته إلى ملاحقة كل جديد في المجال الذي يهتم به كما قيل:
لكل جديد لذة غير أنني
رأيت جديد الموت غير لذيذ
هذا الشاب هو الآخر، مدعو إلى التبصّر من قريب، في نفسه وما في بدنه من أجهزة عجيبة، وما تؤديه من أعمال دقيقة، ونخاطب الشاب بالذات لأنه المتطلع إلى كل جديد، وهو الذي عندما يستنير ذهنه، وتتعدد مواهبه تعلّق عليه الأمة الآمال في بناء المجتمع، وبالتساند ترتقي الأمة لتبدأ بشبابها في مزاحمة الأمم، على مبدأ المثل: إذا لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب، وعليه في عمله بالنية الحسنة.
ليكون عمله جزءاً من العبادة المأمور بها، والتفكر المدعو إليه بنص آيات من كتاب الله الكريم، حتى تزيد عبادته بخالقه سبحانه الذي خلقه مع مهمة العبادة: الدعوة للقوة، والأخذ بالأسباب: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف)، فقد جاء في الحديث القدسي: (ابن آدم خلقتك لأجلي فلا تلعب، وخلقت كل شيء لأجلك فلا تتعب)، والإنسان عليه أن يسعى ويجتهد وكل ميسَّر لما خُلق له..
فالجسم البشري جعل الله فيه العجائب، حتى أن كثيراً من المخترعات استوحى مبتكروها مبادئها من جسم الإنسان وما أودع الله فيه.
إذ في هذا الجسم البشري ومثله كثير من العجماوات، من العجائب والغرائب، ما لا يعد ولا يحصى وفيه من دقة الصنع والحكمة البالغة، ما الله به عليم ولا يدركها إلا الذي خلقه، وصوره وشق سمعه وبصره مما يحار فيه العقل فهماً وإدراكاً وخفايا أبدعه الخالق القادر، بل كلما ظن الإنسان إحاطته بجانب تبدى له جانب آخر.
ندرك مثلا بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المصورين بأن كل مصوِّر يمثل له، صورة في الدنيا، فيقال لهم: أحيوا ما خلقتم وما هم بقادرين لأن الخلق من خصوصيات رب العزة والجلال سبحانه، يقول سبحانه: (وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) (21) سورة الذاريات
وقد رأى بعض الباحثين: أن المراد بالتصوير والله أعلم الهياكل المنحوتة على صور ذوات الأرواح.
فإذا كانت العلوم البشرية النافعة للحياة تتجدد وتتطور بنمو الذهن والتجارب فيما ينفع الناس، فهذا، يجب المنافسة فيه والأخذ بنصيب وافر من قبل الشباب، وتهيئة الفرص، وربط هذه الأمور بما يقوي رابطتهم بالله سبحانه: عبادةً وعملاً، ونيةً صادقةً حتى تتحول الأعمال، والمنافسة فيها إلى عمل تعبدي يؤجر عليه، سواء عمله بيده أو بفكره أو اهتدى إليه عقله وبثه في بني قومه فكلّ نافع، ويدخل في هذا إعمال الفكر لما للفكر من آثار في البيئة، وهذا من تيسير الله الذي علَّم الإنسان ما لم يعلم، ألم يقل سبحانه:
(وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )(78) سورة النحل.
ويجب على الشباب أن تكون نفوسهم طموحة، ولا يقصروا في الرقي العلمي واستثمار علمهم، كما رُوي عن سفيان الثوري رحمه الله، هم رجال ونحن رجال، ولهم عقول ولنا عقول..، إذاً الفرق في السعي والجد والتنافس، وعرض الأمور على المحك الشرعي.
وإذا عدنا للنفس البشرية للتفكر في ذاتها فهل فكر كل فرد منا في الجهاز الهضمي وكيف يشتغل هذا الجهاز، مع صغره في تأدية وظائفه العديدة، فيهضم الطعام بكل دقة وإتقان، بعد أن مرت الأطعمة والأشربة بالفم، ودوره الأولوي في إذابة هذه الأطعمة على أنواعها بواسطة اللعاب الذي يلينها ثم يأتي دور الأسنان بطحنها حتى تلين وتتمازج.
واللعاب هذا غدد في الفم بمثابة العيون المائية التي تقوم عليها الزراعة، والينابيع التي عليها حياة الكائنات الحية، واللسان بما فيه من حساسية مرهفة فإن له وظائف في الغذاء، من حيث التحريك يميناً وشمالاً وتمييز الأشياء بحاسة الذوق، وتفقد ما في الطعام من مادة صلبة غير قابلة للهضم وقد تضر الجسم فينفيها إلى الخارج، فإذا اطمأن إلى الليونة، بعد إبعاد ما قد يكون فيه ضرر على الجسم، يبدأ في تجزئة الطعام والشراب، على دفعات منتظمة إلى البلعوم.
لأنه لا يرسل إلا ما يذوب، بالإفرازات الهاضمة في المعدة وفي الاثني عشر، ولكل نوع من الإفرازات في داخل الجهاز الهضمي وظيفته، وقدرته التي هيأها الله عز وجل فيه، فسبحانه من إله (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى) (2- 3) سورة الأعلى.
وقد أودع الله سبحانه، جهازاً في المخ يشبه غرفة العمليات بأجهزتها الكثيرة الدقيقة القادرة على إصدار التعليمات السريعة في العمليات العسكرية، استقبالاً وإرسالاً لكن هذا الإحساس في الإنسان أقدر بكثير وأسرع في التوجيه والتحذير، ألا ترى أن الإنسان إذا لمس بيده أو إصبعه شيئاً حاراً، لا شعورياً، يذهب بإصبعه إلى فمه، لكي يخفف اللعاب الألم، لأن جهاز الإنذار السريع في غرفة العمليات في المخ، أعطى تعليمات سريعة جداً بذلك.
ثم إن هذا الجهاز الذي في المخ ووظيفته السريعة لا تقتصر على هذه الحالة، بل يعطي إنذاراً مبكراً لكل خطر يعتري الجسم، وقد احتار كثير من المختصين في تحديد مكانه في القحف الذي هو الجمجمة، فقال بعضهم إن في الرأس تجويفات عديدة قالوا لعلها في مؤخرة الرأس مستدلين بأن الإنسان إذا بدأ يتذكر وضع يده على مؤخرة الرأس.
ولما كنا نتعجب من الإشارات الضوئية التي تنظم سير السيارات، ومتى اختل السير حصل التصادم والكوارث، فإن الله سبحانه قد أودع في الجسم البشري، ما هو أدق وأنظم ويعمل بهدوء في سائر البشر، إذ من درس العلوم، وتفصيل الجهاز الهضمي مرَّ به أن القصبة الهوائية متعامدة على البلعوم الذي مهمته إيصال الطعام إلى المعدة والقصبة الهوائية تتعلق بالهواء والرئتين، ألا ترى أن اختلال وظيفة أحدهما، يسبب حادثاً كحادث السيارات عند التزاحم وعدم التقيد بأنظمة السير، فيحصل التصادم والأضرار.
نلاحظ أثر هذا عندما يبدأ الإنسان بسعال مفاجئ وكحة، وهذا من مدافعة الله الخطر عن الإنسان بشيء من الطعام أو الشراب ذهب مع غير مساره وطريقه سيتحول للرئتين أو الجهاز التنفسي فيسوق الله هذه الكحة دفاعاً مقدراً من الله جل وعلا ليعود كل شيء إلى مكانه، أما إذا كان الله سبحانه قد قدر شيئاً أكبر ضرراً أو موتاً فإن هذه الكحة لا تؤدي دورها وأمر الله نافذ بمرض أو موت وسبحان مقدِّر الأمور وأحكم صنعها وأثرها في العمل.
يقول سبحانه: (وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) (21) - (23) سورة الذاريات.
ثم يأتي شيء آخر هذه الأطعمة إذا استقرت في المعدة، قد يخالطها أدوية عن أمراض متعددة في الجسم، فتمتزج مع الطعام والشراب بدقة متناهية، فما الذي يجعل مفعول هذه الأدوية يذهب كل منها للجهة التي فيها الألم لمعالجته، بدون أن يختلط شيء بشيء، ولا يخطئ مفعول هذا الدواء، وحتى جزئيات الطعام والشراب في الغذاء، عن المسار النافع للجسم، إنها حكمة الله البالغة ودفاعه للشرور عنَّا، مما يستوجب الشكر لمن قدر ذلك، ووعدنا سبحانه بالزيادة على الشكر
(لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد) (7) سورة إبراهيم.
إن الله جلت قدرته، قد جعل في أجسامنا جنوداً خفية، تدافع عنا الشر وتحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وتحفظنا من الآفات والشرور، مما يستوجب علينا أداء حق هذه النعم فهل فكرت أخي الشاب، في عجائب الجسم البشري: إنه صنع الله الذي أتقن كل شيء.
ولكي تبرز عظمة الله أمامك، لأن في كل شيء له آية، تدل على وحدانية الله واستحقاقه العبادة فقد قرأت منذ سنوات عندما تكاثرت زراعة الأعضاء فطلب من جامعة أكسفورد دراسة إمكانية بديل للجهاز الهضمي لو تعرض لآفة معجزة فتمت الدراسة في عشر سنوات وخرجوا بنتيجة أن البديل لا يفي بدقة الجهاز الهضمي عند الإنسان، بأنه لابد من أجهزة ومكائن طولها 9 كيلو مترات،
فسبحان من جعل في البعوضة والذبابة والذرة أجهزة تؤدي دورها كما في الإنسان.