أعرفها مذ كانت طالبة في الجامعة، دؤوبة على السعي لحصد المعلومة، فهي حين تتلقى الخبرة لم تكن تعبر بها سراعاً, بل تشبعها تفكراً, وتمطر أسئلة عنها, قلقة حتى تجد ضالتها في نثر خلاق, أدبي ممتع, أو شعر يحلق فتذهب فيه كثيراً للتأمل والتذوق, ومن ثم تجدها مليئة بأسئلة كثيرة، وهي لا تتردد عن التعبير عن رؤيتها النقدية الخاصة فيما تقرأ أو تتلقى,... ثم التقيتها في محافل الثقافة والرسميات في المجتمع، فكان اهتمامها موصولاً بذلك, فيما رؤيتها تتسع لما حولها، حيث إنها في مواقف كثيرة ذات أدوار تتيح للآخرين أن يقتربوا كثيراً منها، فيقفوا على ذهن يقظ، وقلب ينبض, ونظرة شاسعة.
ظلت الكلمة جسراً بيننا، يجمعنا بستانها، وتقتربنا دوحاتها، نلتقي عند عذب مائها،... ذائقتها تبهرني كثيراً، وتعقيباتها تبهجني دائماً، وتواصلها مع الحرف يشد انتباهتي، حتى بت أترقب دائماً، ما هو آتٍ منها، في بيت شعر, أو جملة أدبية، تنفتح على مخزون ندي مورق من الإحساس الجميل والفكر النير والذائقة الراصدة.. هذه هي صيتة بنت عبدالله بن عبدالعزيز، الأميرة التي تحضر دوماً بذائقتها، وبشفيف فكرها لتشارك الهموم، ولتنفرد برأيها الخاص، تعرضه دوماً في تواضع جم، وسمو كبير، وتبقى الكلمات حماماً زاجلاً بيننا،.. ما بقيت في الدواة قطرة.
في بداية الشهر الميلادي، تلقيت منها تعقيباً عما قدمته القناة الثقافية من عرض لحوار ثقافي, دارت رحاه حول خصوصية المجتمع السعودي،.. إن هذا المصطلح كما قلتُ في مقال الأمس قد أخذ نحواً من جانبين، وقد شاركتني بنماذج عنهما، إذ انصب تعليقها في أسئلة ذات مرارة، حول صور الخصوصية، وأشكال التعامل معها في المجتمع وفق ما استجد فيه،.... وجدتها في تعقيبها على ما دار في القناة الثقافية من حوار، تدور في الجانبين الواردين، فبينما للمجتمع خصوصيته التي لا تعني التقوقع ولا التأخر، فإن له خصوصيته التي نشأت وتراكمت لها أطرها وجدرانها الوثيقة بالمعتقد، وفي غير ذلك فإن دلالة الخصوصية ليست تقف عند سقف تجعل المجتمع لا يتطاوله، بل يمكنه أن يتحرك للتطهر من رواسب العادة السالبة، وينطلق عن أسوار الأعراف البائدة، دون حرج، إلا ما كان من المساس بما هو مكين فيه من السمات المرتبطة بخصوصية المعتقد.
تقول الأميرة صيتة في رسالتها: (في 1-6-2010م، رداً على ما دار عن مفهوم الخصوصية في الملتقى الثقافي على القناة الثقافية، فإن نظرتي قد تكون تشاؤمية، ولكني أتساءل: أية خصوصية التي تتحدثون عنها..؟ أهي تلك التي أتمنى أن تكون لنا حين نبقي عليها؟ أم تلك التي تتشدقون بها؟ بينما للننظر لفئات الشباب، وما وصل إليه حال أغلبهم فكراً وسلوكاً، فنسأل هل الخصوصية تعني الحرص على لبس الثوب لكل أو في أغلب المناسبات؟ أو هي التحرر منه، حيث تبدل أو كاد أن يختفي،... أم إن الخصوصية في مجتمعنا هي التي كانت ميزة السلوك في احترام الكبير سناً، وليس مالاً أو جاهاً، والتأخر عنه في السير, أو المجلس.. وقد تخلت الأكثرية من فئات المجتمع عن ذلك، ولم تعد قائمة، بل يتسابق الناس في نقضها وبسرعة، ومنها أيضاً احترام من يتكلم بالإصغاء له, بينما يصدون عن المتحدث بالعديد من التصرفات، ومن ذلك، ما طرأ من سلوك التغاضي عن احترام من يلقاه أولئك الشباب بالمظهر الحسن والرائحة الطيبة فأصبحوا يستهترون بكل ذلك؟..., كل تلك الصفات التي تمنح خصوصية مرتبطة بأخلاق الدين وتعاملات الناس وفق فضائله وأخلاقه ودعوته للسلوك الراقي لم تعد تعم سلوك الأفراد، بل بعضهم يعزون المظهر الرث للدلالة على الكد والعمل المضني، ثم أيضاً، من خصوصيتنا في وجود الحرمين على أرضنا، غير أن هذه الخصوصية لم تدعنا إلى التمسك بالنظافة والطهارة، حيث نجد أن أقذر الأماكن هي أماكن الوضوء، هذا إلى جانب عدم تقدير نعمة الله ممثلاً في إهدار الماء... ثم، نأتي إلى الشابات فلا لبسهن يوحي بخصوصية، ولا تجمعهن في الأعراس والحفلات يحفل بمظاهر الوقار, وسمات التأدب، ففي الأفراح أرى أجساماً ترتدي خرقاً تكاد لا تكفي لتغطي أجساداً ليس لها إلا الستر، حتى في حفلات التخرج في الجامعات، نرى تحت أردية التخرج أشكالاً غير منطقية مما يتجاوز الحشمة والوقار, منها القصير الذي لا يليق، ومنها المنفوش كالطاووس، فمن المسؤول عن غياب خصوصيتنا هنا؟.. الأهل الفرحون بكل ما يفعله أبناؤهم دون نقاش؟ أم الجهات الداعية كالمدارس والجامعات، حين لا يكون هناك شرط لما يلبس، ولما يوضع على الوجه من أقنعة، وكأن من سلمت نفسها لخبراء التجميل غدت شبحاً لا وردة؟ فلا احترام لهذا الاحتفال ولا للحضور فيه.
أين خصوصيتنا هنا؟.. هل هي في سرعة نبذ أخلاقنا ولا أقول عاداتنا..؟ وإبدالها بعادات وأخلاق أقوام آخرين؟... ولنقس على ذلك ما لا يحصى..).
من زاوية ترتبط بالجانبين في مفهوم دلالة الخصوصية فإن ما ورد هنا في تعقيب الأميرة النابهة صيتة له مساس كبير بما يرتبط بسمات الأخلاق، وأوجه السلوك الذي تميز به المجتمع ولأنه منبثق من تربية الفرد تربية خلق فاضل دعائمه أخلاق نبي الله العظيمة تلك التي أساسها احترام الآخر في ذات الإنسان وفيما يصدر عنها، قوله وفعله بما في ذلك مظهره... فإنه ضمن الخصوصية التي ينبغي عدم المساس بها... دون ريب.