الجزيرة: هبة اليوسف / تصوير- سعيد الغامدي :
تحت وطأة التهديد بالطرد والتشتيت.. والفقر الذي أعجزهم وكبل أيديهم يعيش سكان هذا الحي في حالة قلق وخوف من مصيرهم المجهول، فهم مهددون بالطرد من منازلهم التي عاشوا فيها أكثر من 40 عاماً؛ لأنهم لا يملكون صكوك ملكية لها وليس لهم حول ولا قوة فليس لديهم مال لامتلاكها ولا حتى استئجار سكن آخر، وكل يوم يمرّ عليهم يزداد قلقهم وخوفهم من أن يجدوا أنفسهم وأولادهم في الشارع بلا مأوى.. هؤلاء هم سكان الحي العشوائي في المرسلات في شمال الرياض الذي قُرر إزالته بالكامل لتطويره. (الجزيرة) التقت بسكان الحي لتنقل استغاثاتهم وصرخاتهم حول مستقبلهم المجهول بالنسبة لهم وخوفهم وقلقهم من ذلك عبر صفحاتها:
أيتام بلا مال ولا سكن
أم إبراهيم سيدة أرملة في العقد الخامس من العمر، تعول أولادها الأربعة وحدها منذ أكثر من عشر سنوات، حيث توفي زوجهاً وتركها وحيدة تراعي أطفالها بدون مال ولا سكن.. تقول: استأجرت في الحي العشوائي منذ سنين بـ500 ريال شهرياً، وأنا أعجز عن سدادها إلا بمساعدة أهل الخير، فأنا غير قادرة على تحمل مصاريف أولادي وليس لدي عمل وابني أكمل دراسته الثانوية ولم يلق قبولاً في الجامعات ولا حتى وظيفة ليساعدني في المصاريف، التي تزداد يوماً بعد يوم وأكملت والعبرة تخنقها: أين أذهب بأولادي الأيتام؟ لا يوجد منزل يضمنا وليس لدي القدرة على امتلاك أو حتى استئجار منزل في أي مكان آخر، عشت في هذا الحي 20 سنة ولا أعرف غيره ولا أريد شيئاً غير منزل صغير يضمني وأولادي حتى لا أجد نفسي في العراء.
وأضافت أم بدر: يخلو هذا الحي من الخدمات، فلا ماء ولا صرف صحي ولا كهرباء وأثناء المطر غرقت منازلنا بالمياه وما من شيء يجعلنا نصبر عليه غير الحاجة، ووالله لولا الحاجة التي اضطرتنا للسكن فيه لكنا خرجنا منذ زمن منه، فلا نريد غير منازل تضمنا وأطفالنا، وما تمنيت أن يترك هذا الحي كما هو عليه إلا لحاجتنا له ولمعرفتنا بعدم استطاعة الكثير من سكان الحي إيجاد سكن غيره، وربي أعلم بحالنا وإنني خجلة من الشكوى لكل من يمر بنا عن حالنا، لعلي أجد من يساعدني ولكن الكل منشغل بمشكلاته وكل أهالي الحي لا يعلمون أين يذهبون بعد إزالة الحي؟
هل القرار الوزاري يلغي الأمر الملكي؟
كما تحدث حمود العمري وهو المتحدث باسم الحي، حيث ذكر: قررت الأمانة إزالة الحي الشعبي في المرسلات الذي يتكون من 300 مسكن وترك سكانه بلا مأوى وإقامة حديقة عامة على كامل الموقع، وهذا الحي صدرت عليه منحة ملكية كريمة برقم 4 - 1655 وتاريخ 4-9-1408هـ تقضي بمنح البيوت أصحابها الذين يقطنون فيها وإزالة ما تقتضيه الضرورة دون الإضرار بالملاك وتم تشكيل لجنة لبحث السبل المناسبة لتطوير الحي وقد توصلت اللجنة للحل المناسب وتم إعداد مخطط تهذيبي للحي وتم عرضه على سمو سيدي أمير منطقة الرياض ووافق سموه -حفظه الله- على الحل الذي تم التوصل إليه بخطابه رقم 3-2-556-ط بتاريخ 19-10-1415هـ ولم يتم تنفيذ جميع الأوامر السامية حتى الآن.
وتساءل عبر (الجزيرة): من المسؤول عن عدم تنفيذ الأمر الملكي الكريم أكثر من 22 عاماً؟ وهل القرار الوزاري يلغي الأمر الملكي؟
منازلنا كانت خارج منطقة الرياض
وتحدث جزاء المطيري وهو يعول 18 شخصاً قائلاً: إن معظم سكان هذه الحارة من السعوديين الذين سكنوا هذه المنطقة قبل أكثر من أربعين سنة، عندما كانت الرياض لا تتعدى البطحاء وعليشة وكنّا نعتبر خارج الرياض، فإذا احترق أحد المنازل واتصلنا بالدفاع المدني ذكر لنا أننا خارج الرياض، والآن ها نحن في قلب الرياض ومحرومون من كافة الخدمات، فجاري ينعم بكل الخدمات من ماء وصرف صحي وكهرباء وأنا -الذي وطني خيْره عبر المحيطات- محروم من كل شيء حتى المياه -التي تصل لجاري بحي المرسلات عن طريق الشبكة الأرضية- ما زلنا نقوم بإيصالها عن طريق «الوايتات».
وفي الشتاء تغرق البيوت جراء الأمطار وفي الصيف تنقطع الكهرباء ويتعذب سكان الحارة جراء الحر، حتى إن بعض البيوت مازالت تعيش على»مواطير الكهرب».
وفي آخر المطاف أجد نفسي بعد كل هذا الصبر والعناء ملقى في الشارع، فالطير الذي له أجنحة طار وخرج من هذا الحي منذ زمن، أما المساكين أمثالنا الذين ليس لديهم ما يملكونه حتى يخرجوا.. تشبثوا بهذه المنازل المتهالكة التي تفتقر للخدمات فلا حول لهم ولا قوة..
وأضاف: لدينا 7 حدائق في الجوار وهو عدد يفوق الخيال... وهل الحدائق أهم من تلك الأسر التي ستتشرد لتسكن مكانها الأشجار وتنعم بحياة وعناية واهتمام بينما الإنسان الذي كرّمه الله يرمى بالشارع.
أين التعويض؟
كما تحدث حمد الحربي بقوله: ليس لدينا تصريف (صرف صحي) والأمانة ذكرت أنه سيتم تمديد التصريف بعد تطوير الحي وها هم الآن يقررون إزالة الحي بالكامل ووضع حديقة عامة مكانه، فأين هي الخدمات التي وعدوا بتنفيذها لنا بعد التطوير، فبعد طول انتظار يرفضون حتى وجودنا في الحي، حيث ستهدم جميع المنازل ولا مكان لأحد فأين نذهب؟
أعول 15 شخصاً.. من أين سأدبر لهم مساكن
فيما ذكر(م، ش): الذي يعول أسرته المكونة من أربعة أطفال ووالدته وأشقائه الأيتام إلى جانب زوجة أبيه وأخوته منها وهم 15 شخصاً جميعهم لا يتجاوزون الـ18 من العمر.....
وتساءل كيف سأشتري لهم منزلاً وأنا راتبي 4000 ريال فقط؟! جميعه يذهب لمصاريفهم ولا يبقى منه شيء، فبالكاد أغطي مصاريف الأكل والشرب.. فكيف بالسكن؟
وتحدث حمد قائلاً: نحن لا نريد الحي ولم نتمسك به، فالحي سيئ جداً ومتهالك، حيث تتسرب مياه المجاري إلى الشوارع لعدم وجود تصريف للمياه، والمباني آيلة للسقوط، فبعضها من الطين وبعضها من البلوك وأسقفها من الصفائح الحديدية التي أصبحت خطراً على ساكنيها بسبب الأمطار الكثيفة التي تساقطت على الرياض، ومعظم المباني غير مهيأة للسكن وغير مبنية بناءً صحيحاً، الذي نريده ونتمناه تعويض لا نقل عن الأرض، كونهم اعتبرونا مغتصبين لها، وأنها أملاك للدولة ولكن لنقل عن المعاناة التي عاشها سكان هذا الحي أكثر من 40 سنة بلا ماء وكهرباء وحتى تصريف وسفلتة للشوارع وكأنهم يعيشون في إحدى الهجر.. أو في عصر غير عصرنا فكأن الزمن توقف بهم.
وحول ذلك المصير المجهول.. تواصلت (الجزيرة) مع أمانة مدينة الرياض لمعرفة ما سيؤول إليه سكان الحي، وماذا سيكون مصيرهم بعد إزالة الحي.. ولكن للأسف لم تتلقَّ (الجزيرة) أي رد منهم حول هذا الموضوع.