تُحارب الأنظمة والقوانين، والهيئات الدولية جريمة الاتجار بالبشر التي انتشرت بشكل لافت في جميع دول العالم دون استثناء. ارتبطت عملية الاتجار بالبشر في القرون الماضية بسوق النخاسة، إلا أنها عادت للظهور بأشكال مختلفة، ومنها التسول وممارسة البغاء القسري.
ربما أستبعد كثير من الناس علاقة التسول، وما ينجم عنها من ممارسات غير أخلاقية، بقضية الاتجار بالبشر، وهو أمر يمكن تفهمه في حال قيام المتسول بمهام عمله وفق قناعاته، ورغباته الخاصة، بعيداً عن الإكراه والتسلط. حمل الأطفال، النساء، الفتيات وذووا العاهات، ممن لا يمتلكون الخيار في تحديد مصيرهم، على التسول القسري، وإرغام الفتيات منهم على البغاء بهدف جمع الأموال لأطراف أخرى، أفراداً أو جماعات منظمة، يندرج ضمن الأعمال المرتبطة بجريمة الاتجار بالبشر.
التسول المُنظم يقف خلف الكثير من جرائم الخطف، تهريب البشر، إحداث الإعاقة، الابتزاز، والتحكم في مصير الضعفاء ما يجعلهم في دائرة (المماليك) لا الأحرار. التسول المُنظم يقود في بعض الأحيان إلى ازدهار تجارة الرقيق الأبيض، والأعضاء البشرية، وهي تجارة رائجة بدأت تظهر في بعض الدول العربية.
خطف الأطفال بقصد التسول، وفتح أوكار المتسولين تحت ذريعة توفير الملجأ لهم، قد تتحول مع مرور الوقت، تحت إغراء المادة، إلى تجارة الأعضاء البشرية المدرة للأموال. ازدهار (تجارة) التسول، وصمت الجهات المسؤولة عن ملاحقة عصاباتها المنظمة، ومنعهم من استغلال الأطفال والنساء أدى إلى زيادة حجم المشكلة التي باتت أكثر تنظيماً؛ وقدرة على تجنيد الضعفاء، خطف الأطفال، جمع الأموال، وخرق الأنظمة والقوانين. أطفال رُضع يُرغمون على البكاء المستمر تحت أشعة الشمس المحرقة لاستدرار عطف المارة، ونساء وفتيات لا حول لهن ولا قوة أُرغمن على امتهان التسول في أماكن خطرة، بعضها يبعد مئات الكيلومترات عن المدن. التسول ربما قاد الفتيات المتسولات إلى جرائم أخرى من بينها (البغاء)؛ فسهولة الاتصال بالآخرين، والتواجد في الأماكن الخطرة، والتعود على الابتذال، والقناعة بالخضوع، وتهاون ولي أمرهن، إن كان مسؤولاً عنهن، يُساعدهن على الانحراف وارتكاب المعاصي. قد يعمد قائد جماعات التسول، من خاطفي الصغيرات، إلى إرغام الفتيات، مسلوبات الإرادة، على ممارسة أعمال غير أخلاقية.
جُل ما يحدث في قضية التسول محلياً لا يمكن فصله عن جريمة الاتجار بالبشر؛ وهو أمر لا يمكن القبول به والتعايش معه. قضية التسول باتت تنتشر كانتشار النار في الهشيم. صمت الجهات الرسمية، أو ربما غياب الجهة المسؤولة عن مكافحة التسول، والأنظمة الصارمة، وتداخل الصلاحيات بما يُعطي بعض الجهات الرسمية العُذر في الابتعاد ساعد في تنامي ظاهرة التسول التي أعتقد أنها مسؤولة عن كثير من جرائم خطف الأطفال، واستغلال الفتيات، وربما تمويل جماعات الإجرام المنظم. التسول فتح باب الإقامة غير المشروعة، ودخول المملكة بطرق غير نظامية، وتهريب الأطفال عبر الحدود، والخطف، وساهم في اتهام المغرضين للمملكة بقضايا الاتجار بالبشر، وأدى إلى نشر ثقافة التسول التي باتت تشجع آخرين على امتهانها في غفلة تامة من المجتمع، وتهاون في خطط مواجهتها.
إذا لم تقف الجهات المسؤولة بحزم أمام ظاهرة التسول فعواقبها ستكون وخيمة ولا شك، أما المجتمع فهو مطالب بوقف حمل جماعات التسول المنظم على إرغام الأطفال، النساء والفتيات، على التسول واستغلالهم في أمور مشينة؛ من خلال منع ما يدفعونه من أموال، وإن كانت بسيطة، لأولئك المتسولين.
ربما تحول أجر المُتصَدِق إلى وزر في حال مساهمته في تشجيع المتسولين على استغلال الأطفال، النساء والفتيات بالمضي في جريمة الاستغلال، والتحول منها إلى جرائم أكثر بشاعة، وحُرمة، ومنها الخطف، المتاجرة بالأعضاء، والرقيق الأبيض. القضاء على ظاهرة التسول يؤدي إلى القضاء على كثير من الجرائم البشعة، ويحمي المجتمع من الظواهر السلبية، ويمنع التسلل عبر الحدود، والإقامة غير النظامية، ويحقق الحماية للأطفال، الفتيات، النساء والمستضعفين ممن أُرغِموا على التسول وممارسة البغاء، وحُرموا من حقوقهم المشروعة في العيش الكريم.
F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM