التقرير الذي صدر عن وكالة رويترز للأنباء عن الاقتصاد السعودي والبطالة وأسبابها سطحي وغير اقتصادي، ويعتمد على مقولات غير دقيقة، وهو خبر عما يتم تداوله بين غير المختصين وغير المدركين للأسباب الاقتصادية والاجتماعية لظاهرة البطالة أكثر من كونه تقريراً وتحليلاً.
ولا ينبغي البناء عليه في أي تحليل أو نقاش، وإنما هو جيد في كونه أثار هذه المشكلة المزمنة مرة أخرى إلى دائرة الضوء والأهمية؛ كون هذه المشكلة من الأهمية بمكان وتمس أغلى عنصر لأي وطن، وتمس كل مواطن غيور على مستقبل بلاده، ودور أبناء الوطن الذين يجب مد اليد لهم للحصول على عمل يحققون به ذاتهم ويفيدون به وطنهم.
إنَّ مشكلة البطالة تتكون في نظري من ثلاثة أبعاد:
- البُعد الأول: التعليم والتأهيل (وزارة التربية) وزارة التعليم العالي ومؤسسة التعليم الفني والمهني.
- البُعد الثاني: الإرشاد والتوجيه (وزارة العمل، وزارة الخدمة المدنية مع صندوق الموارد البشرية).
- البُعد الثالث: خلق فرص العمل وإيجادها (وزارة التخطيط، وزارة الصناعة صناديق التنمية المختلفة).
ولو نظرنا إلى البُعد الثالث؛ لأنه في نظري أهم المحاور الثلاثة، لوجدنا أن خطط التنمية لم تتطرق إلى وضع استراتيجية صناعية وزراعية وإنشائية وتعليمية تخلق أعدادًا من الوظائف تتناسب مع أعداد السكان المؤهلين؛ حيث ركَّزت على تنمية شاملة وعامة وكمية بدلاً عن خطط نوعية تركّز على قطاع أو قطاعات رائدة تجرُّ وراءها القطاعات الأخرى، واستثمرت الموارد في صناعات بغض النظر عن محتوى ونوعية الوظائف التي تخلقها هذه الصناعات؛ حيث ركَّزت على نوع من الصناعات يُعرف بصناعات الكثافة الرأسمالية (Capital Intensive)، وتجاهلت أو لم تهتم بالصناعات التي تخلق عمالة كبيرة (Labor Intensive). ومع أهمية النوع الأول كالصناعات البتروكيماوية إلا أنها لا تخلق أعدادًا من العمالة، وبدلاً من ذلك تعتمد على الإنفاق الرأسمالي؛ حيث إن مصنعًا يكلف المليارات ربما لا يزيد عدد عماله على 10 عمال، بينما مصنع من النوع الثاني بمبلغ لا يزيد على مائة مليون ريال ربما يزيد التوظيف فيه وكثافة استخدام العمالة، ولا تزال الخطط لا تفرق في دعمها بين النوعين، وكذلك الاستراتيجية الصناعية الجديدة.
أما بالنسبة إلى العامل الأول، وهو التعليم والتدريب، فإنه لم يراعِ أهمية اتساق عملياته مع الطلب على القوى العاملة في المستقبل، وركَّز على جانب العرض (Supply Side)، ولم يعطِ جانب الطلب (Demand Side) حقه، أي كان التركيز على تخريج أكبر عدد من التعليم العام والعالي دون دراسة سوق العمل ومتطلباته، وعند مناقشة خطة التنمية الخمسية الثانية في بداية السبعينيات من القرن الماضي، بحضور معالي وزير المالية والاقتصاد الوطني الشيخ محمد أبا الخيل ومعالي رئيس هيئة التخطيط (وزارة التخطيط حالياً) الشيخ هشام ناظر ومعالي مدير جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور محمد عبده يماني ومعالي الأستاذ محمد الصقير المدير العام للميزانية في حينه، كتبتُ وريقة إلى معالي الشيخ محمد أبا الخيل مقترحاً ربط البرامج التعليمية بالطلب على القوى العاملة من مشاريع البتروكيماويات وغيرها؛ وذلك بصفتي مسؤولاً عن تمويل المشاريع بالميزانية العامة مع بداية عملي الحكومي، وتصدى لذلك معالي الدكتور محمد عبده يماني بالقول: إن التعليم مطلوب لذاته ولا يجب أن يُربط بمتطلبات الاقتصاد. ولله الحمد فإن الجميع أحياء يُرزقون متعهم الله بالصحة والعافية.
أما بالنسبة إلى المحور الثاني - وهو توجيه وإرشاد الخريج، وهو أغلى وأثمن عامل في الاقتصاد، الذي يشكّل الثروة البشرية ورأس المال البشري - فإنه غير محدد، وغير مبرمج، وتتقاذفه جهات عدة تَعِدُ بالحلول ولا تُقدِّم شيئاً؛ فوزارة العمل ضد صرف بدل بطالة مؤقت حتى يستطيع الخريج تدبير أموره، ووزارة التجارة لا تجبر الشركات ومجالس الغرف على تبني التدريب خلال الدراسة، ووزارة الصناعة والعمل ليس لديها البرامج أو المتابعة المستمرة والفاعلة لتوزيع الخريجين على الوظائف الشاغرة أو الجديدة، ووزارة الخدمة المدنية لم تقترح تعديلات بالأنظمة تسهل التوظيف وتمنع التمايل وتحدُّ من السن المطلوبة للتقاعد أو تحدُّ من التمديد لمن هم من جنسيات أخرى.
هذه باختصار المحاور والأبعاد التي كان يجب على وكالة رويترز أو غيرها أن تبحثها عند الحديث عن البطالة في المملكة، وهل هي اختيارية أم إجبارية؟ وهل هي راجعة لهيكلة الاقتصاد السعودي - كما أعتقد بشدة - أم أنها راجعة إلى أمور أخرى؟ بدلاً من تعليق ذلك على التعليم الديني الموجود في كل مجتمع بصور مختلفة مثل أخلاقيات العمل في الولايات المتحدة، والدين هو عامل إيجابي للقيام بالعمل على الوجه المطلوب من نزاهة وكفاءة وقلة فساد، وليس عاملاً سلبياً كما ذكر الخبر وليس التقرير.
وببساطة فإن حل مشكلة البطالة مرتبط بالنمو الاقتصادي، ومن بديهات علم الاقتصاد أن نسبة النمو الاقتصادي يجب أن تزيد على نسبة نمو السكان حتى يمكن خلق فرص عمل كافية؛ فمثلاً إذا كانت نسبة نمو السكان في المملكة 2.5 % فإن نسبة النمو الاقتصادي يجب ألا تقل عن 6 % سنوياً، ولكن ما شاهدناه منذ بداية الخطط الاقتصادية أن نسب النمو كانت أحياناً 1 % فقط ما بين عام 1980 وعام 2000م، وأحياناً كانت بالسالب؛ لذلك فإن الهدف الأساسي للحد من البطالة والفقر يجب أن يكون استهداف نسبة النمو المستدامة التي تزيد على نسبة نمو السكان، والتي تتطلب تغيير هيكلة الاقتصاد السعودي بمعالجة الرؤية الاقتصادية الغائبة وإدارة الموارد المالية بنظرة شمولية وليس قطاعية فقط، واعتماد نظام ميزانية تنموي وليس رقابيا مثل ميزانية البرامج والمشاريع بدلاً من ميزانية الفصول والأبواب والبنود الرقابية.
والله الموفق.