في أقل من شهرين، انهارت ثلاثة مبانٍ في وسط مدينة جدة، مخلفة عدداً من القتلى والجرحى. وكانت أمانة محافظة جدة قد قدَّرت المباني الآيلة للسقوط في جدة بنحو 2500 مبنى، تُمثِّل المباني التي تجاوز عمر بنائها 50 عاماً. وأكد منسق لجنة المباني الآيلة للسقوط في الأمانة، أنه جرى القيام بعمليات مسح شاملة لهذه المباني والوقوف عليها وحصر أعدادها لما تشكله من خطر على أرواح المواطنين، ومن ثم اتخاذ القرارات المناسبة، إما بالإزالة أو الترميم.
لماذا إذاً تتساقط المباني وتقتل مَنْ تقتل وتجرح من تجرح، على الرغم من معرفة الأمانة المسبق بحجم المشكلة؟! لماذا عندما انهار المبنى الأول، لم نسمع سوى أحاديث عن أن الأمانة قد قامت برصد عدد المباني الآيلة للسقوط والوقوف عليها؟! ماذا سيفيدنا هذا الكلام الإنشائي الذي يتكرر بعد كل مأساة؟ والأهم من ذلك كله، لماذا لم نسمع يوماً كلمة «اعتذار»، سواء عندما ينهار مبنى أو تحترق مدرسة أو ينغلق نفق بفعل مياه الأمطار؟!
الاعتذار مِن الشيم الإيجابية، وهو بمثابة اعتراف بالحق، والاعتراف بالحق فضيلة. وكلاهما الاعتذار والاعتراف يقودان المعتذر والمعترف إلى مكان الخطأ، ليرياه كما هو، بلا زيادة ولا نقصان، وليحاولا إصلاحه بالطريقة التي تُجَنِّبْهُما من تكرار نفس الكارثة ونفس القتلى ونفس الجرحى. والمصلحة في النهاية للمجتمع بكامله، لأنه سيطمئن أن مسؤولي المباني أو المدرس أو الأنفاق سيعملون بكل جد وبكل إخلاص، لكيلا يظهرون أمام الناس ليعتذروا عن أخطائهم وعن الضحايا الأبرياء التي تسببوا بمقتلها أو جرحها.