لا بديل للتربية التي تقوم على الإيمان والاعتقاد بالله تعالى أنه المبتدأ, والنهاية إليه تعالى، من أجل أن تصغر الدنيا في نفوس الناس؛ ومن ثم لا يتكالبون فيها على نحو ما يفعلون، بعد أن تضخم إحساسهم بها، ومن أجل ذلك، لم تعد الحياة تتسع للفضيلة بقدر اتساعها للأوبئة النفسية، والخلقية، والسلوكية بل الفكرية، وإلا فما الذي يساعد على اتساع: نطاق الرذيلة والجريمة، الصنوان؟...
وعودة للبدايات، لتلقي خبرات الجريمة، والاستهانة بالرذائل، كانت السينما، والمسلسلات التي كان يقدمها التلفاز، وهي تعتمد على القصص التي تدور حبكتها على الجريمة والرذيلة، وتستدعي فكرتها وموضوعاتها منهما، وقد كان الكبار يحرصون حين يتحلقون حول الشاشات السوداء والبيضاء، أن يكون الصغار قد ناموا، ومع ذلك كانوا أحياناً يستيقظون من سبات على جثة طفل سقطت من شرفة عمارة، أو سطح بناء، وقد كان يقلد السوبرمان، تلك الشخصية الأولى في خبرات تعليم اللامسؤولية حين يكون التمثيل لأدوار البطولة مغلفاً بها.., وحين تعرّف الناس أساليب العصابات، ومقلدي رجال البحث الأمني، والمجرمين، والمجانين، والمنحرفين، في هذه الوسائل المرئية المسموعة، فيتأثرون بممثليها، القائمين بأداء أدوار قصص تقدم الخبرة جاهزة للفرد، فتعرّف الشخص غير الواعي كيف يخطط للسرقة، وللاعتداء بل للقتل والفتك والإيقاع، بل قدمت السينما والمسلسلات، وتحديداً المترجمة أو غير مترجمة، والمدبلجة من ثم كل السبل للتفكير اللامسؤول، والتدريب لكيفية امتهان الجريمة ومعرفة آلياتها وموادها، ولأن هذه الثقافة لم تكن تتضاد بثقافة السلام والفضيلة والخلق المنتمي إلى عقيدة مكينة، ضعفت نفوس الكثير من الناس، في المجتمعات التي يفترض أن تضرب دعامات الأمن والسلام في نفوس أفرادها، لكن، تحللت لدى الكثير منهم كثير من الحدود، فقبلوا العمولات وتعاملوا بالربويات، وتهاونوا في التفريط، وازدادوا خبرة بالحياة، وتشبعوا بأساليب الوصولية ووسائلها وتغلبت غاياتها على ما عداها من رغبات،.., ولم يعد لديهم الصبر على المكابدة لبناء الذات في هدوء ورضا، بل خنعت رغباتهم للبريق، مهما التوت إليه الطريق، فلا عجب أن تنشأ بينهم فئات لا تختلف في شر نفوسها عن تلك التي حملتها لهم الأفلام، ولا سيما بعد أن تطورت وسهلت للجريمة أساليبها،... وكل ما يتلقاه الفرد يساعد خبرات الفاشلين، والجاهلين، ومحدودي الثقافة، والمعرفة، وضعيفي النفوس، وفاقدي اليقين، على أن يزدادوا جهلاً ومرضاً وفشلاً وضعفاً؛ فلا تكون قوتهم إلا شراً.. وجمراً..
إذ لم تعد السينما والمسلسلات وحدها مصادر الخبرات السالبة في ضوء ما حول الإنسان من وسائل وسبل لا يقوى عليها إلا تنشئة واعية، قوامها التوعية، ومصدرها الإيمان، ودرعها فضائل الأخلاق..