القاهرة - سجى عارف
استضاف مقعد معالي السفير هشام محي الدين ناظر سفير خادم الحرمين الشريفين بالقاهرة في جلسته الأسبوعية الأربعاء سعادة الدكتور مصطفى الفقي رئيس لجنة الشئون العربية بمجلس الشعب المصري، وذلك بحضور نخبة من كبار المسئولين والمفكرين والصحفيين المصريين والعرب حيث تحدث سعادة النائب المصري عن التطورات الإقليمية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط بصورة عامة والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص.
وأكد الدكتور مصطفى الفقي في كلمته أن التطورات التي تشهدها المنطقة حاليا وردود الأفعال الإقليمية على عملية القرصنة الدولية التي قامت بها القوات الإسرائيلية على أسطول الحرية كشفت عن صعود القوى غير العربية في المنطقة، وأن دول الجوار أصبح لها كلمة في المنطقة. وقال الفقي «في الوقت الذي احتلت فيه المواقف العربية.. المراتب التالية في المواقف إزاء تلك القرصنة الإسرائيلية.. تصدر الموقف التركي المشهد.. وقد يعود ذلك إلى أن معظم الضحايا من الأتراك.. لكن هذا لا يمنع من أن الموقف التركي تصدر المشهد على الإطلاق». وأوضح أن لدى الأتراك أجندة واضحة جدا، مشيرا إلى أنهم يريدون الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ويسعون إلى تقديم أوراقهم إلى الاتحاد ب»سيطرة شرق أوسطية» أو «استخدام العثمانية بشكل مختلف»، لافتا إلى العلمانية لا تزال مترسخة في تركيا ولكن قوتها متوقفة الآن لأن أي تحرك عسكري من جانب الجيش (حامي العلمانية) يعرقل انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، وهو حلم قوي جدا يداعب أنقرة رغم معارضة قوى أوروبية لذلك. ورغم ذلك قال الدكتور مصطفى الفقي إنه يعارض من يقومون بانتقاد الموقف التركي مشددا على ضرورة تشجيع أي صوت يدعم القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين.
وتطرق الدكتور مصطفى الفقي إلى الموقف الإيراني وقال «إن الموقف الإيراني بدا مبتعدا عن الحادث (حادث الاعتداء على أسطول الحرية).. فلم نسمع صوت إيران بالمستوى الذي تحاول طهران أن تبقي عليه دائما.. نفس الأمر ينسحب على حزب الله». وقال الدكتور مصطفى الفقي «ومن العجب أن العالم الذي شهد معركة دامية في البحر المتوسط يركز الآن على عقوبات إيران التي تم إقرارها اليوم بموافقة 12 صوتا من بينها روسيا والصين» وأضاف «إيران ليست ملاكا.. إيران لديها تصورات ومصالح معينة» مشيرا إلى أن الإمام الخميني قال خلال رحلته من فرنسا إلى إيران عام 1979 (لقد قاد العرب الأمة الإسلامية لعدة قرون.. وقاد الكُرد الأمة الإسلامية قرنين من الزمان ثم قاد الأتراك الأمة الإسلامية 6 و7 قرون.. وقد آن الأوان أن يقود الفرس الأمة الإسلامية»، واعتبر الفقي تلك المقولة «مقولة مفتاحية توضح الأجندة الحقيقية لإيران».
وقال الدكتور مصطفى الفقي «الأجندة الإيرانية واضحة.. وهي محكومة بالنزعة الفارسية أكثر من توجهاتها الإسلامية.. القومية الفارسية هي التي تشد إيران بقوة.. بدليل قضية الجزر الإماراتية المحتلة والتهديد المتكرر لمملكة البحرين ومحاولة تحويل لبنان إلى دولة عربية شيعية». وأكد رئيس لجنة الشئون العربية بمجلس الشعب المصري «أن كل الأحاديث الإيرانية عن القضية الفلسطينية هي أحاديث عن بُعد، وأحاديث استخدام أكثر منها مواقف مبدئية».
وتوقع الفقي أن تكون إيران خلال سنوات قليلة اللاعب الرئيسي مع الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة مؤكدا أنه لا عداوات أو الخلافات دائمة مستشهداً بتصريح وزيرة الخارجية رايس أن كل المصالح الأمريكية موجودة في الجعبة الإيرانية وعلى رأسها الخروج المشرف من العراق وتعطيل عملية التنمية في دول الخليج» وقال «ستكون إيران الملالي بديلا عن إيران الشاه» مضيفا «المواقف التي تبدو على السطح ليست بالضرورة هي التي ستحكم المنطقة على المدى الطويل».
وشدد على أن موضوع الحوار الإيراني - العربي فيه تقصير ولكن من الجانب الإيراني مشيرا على سبيل المثال إلى أن الرئيس المصري حسني مبارك ما ترك مناسبة يمكن أن تمثل نافذة للوصول إلى إيران إلا وطرقها لكن إيران لم تستجب إلى الشروط المصرية من أجل تفعيل الحوار وأوضح أن مصر تشترط على إيران الاعتراف بعروبة العراق وأن تكف عن تهديد البحرين وأن تلجأ إلى التحكيم الدولي في قضية الجزر الإماراتية ولكن في المقابل أصرت طهران على مواقفها وسعت إلى شغل الانسحاب الأمريكي من العراق وتحركت من أجل نشر المذهب الشيعي، وأقامت شبكات تجسس مختلفة وقال «إيران تخاطب الجماهير بلغة وتلعب بعواطفهم.. لكن سياساتها ودبلوماسيتها تتبنى مشروعا فارسيا بالدرجة الأولى».
وأعرب الدكتور مصطفى الفقي عن استغرابه من قيام إيران التي تتبنى مشروعا فارسيا بتوجيه انتقادات لدولة مثل مصر بحجم تضحياتها التاريخية للقضية الفلسطينية وقال إن «مصر لا تتحمل مشكلة معبر رفح.. مصر فتحت معبر رفح في عام 2009 لمدة 150 يوما». وأضاف «نالت مصر قدرا كبيرا من المواقف المختلفة.. البعض يحاول تحميلها مسئولية المشاركة في الحصار على قطاع غزة، وهو أمر فيه قدر كبير جدا من الافتئات.. لا يجب أن يتحول الأمر في النهاية إلى اكتفاء بعض العرب بالحديث عن إدانة مصر بدلا من توجيه النقد إلى إسرائيل». وحذر من اختزال القضية الفلسطينية في معبر رفح موضحا أن مشكلة المعبر بدأت بالانقسام الفلسطيني. كما حذر الدكتور مصطفى الفقي من وجود مخطط لتقزيم وتحجيم كل من مصر والسعودية ونقل ثقل العالم العربي من المركز إلى الأطراف لخدمة إسرائيل في المقام الأول.
وأكد الفقي أن قضية رفع الحصار عن قطاع غزة هي التي لابد وأن تحظى باهتمامنا داعيا العرب إلى اتخاذ موقف أقوى تجاه تلك المسألة مشيرا إلى أن الأمين العام للأمم المتحدة طالب صراحة بضرورة رفع الحصار عن قطاع غزة، وكذلك بعض الدول الأوروبية وفي مقدمتها بريطانيا، وقال «إن الموقف الشاذ الوحيد في هذا الصدد كان الموقف الأمريكي»، مشيرا إلى أن نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن اعتبر الاعتداء على أسطول الحرية حالة دفاع عن النفس، وهو أمر مخالف للحقيقة والقانون الدولي ووصف الفقي هذا الاعتداء بأنه تجسيد لشهوة التخويف وحب الإرهاب والرغبة في إشعار الآخرين بأن إسرائيل تعمل ما تريد بغض النظر في أي وقت بالطريقة التي تشاء، مؤكدا أن هذا الأمر لم يعد مقبولا أو مفهوما الآن.
وأكد أن إسرائيل خارجة على كل الأطر والقوانين.. دولة ليس لها حدود سواء على الأرض أو في عقول الإسرائيليين أنفسهم»، وقال «نحن أمام وضع يحتاج إلى تفكير غير تقليدي»، معتبرا أن كل أنواع المقاومة التي توصل إليها العرب لم تصل حتى الآن إلى ما يجب أن تكون عليه داعيا إلى البحث عن سياسات جديدة تكون قادرة على مخاطبة العالم بلغة أخرى معتبرا أن رد القضية الفلسطينية إلى مجلس الأمن هو عودة إلى المربع رقم واحد.
واعتبر أن المقولة التي رددها الرئيس المصري الراحل أنور السادات بأن أوراق اللعبة كلها بين أيدي الولايات المتحدة.. قول غير دقيق»، مؤكدا إمكانية أن يحدث الاتحاد الأوروبي نوعا من التوازن في الضغط على القرار الأمريكي.
وحول المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية قال الفقي: إن كل محاولة لتطبيب جراح أهالي غزة ترتبط بالاعتراف بالوضع القائم في القطاع وتكريس لسيطرة حركة حماس على أرض الواقع» مشيرا إلى أن مندوب إحدى الدول العربية اقترح على الأمين العام للجامعة العربية عقد اجتماع لمندوبي الجامعة في غزة تعبيرا عن التضامن، لكن مندوبي بعض الدول الأخرى تحفظوا على الاقتراح وقالوا إن الأولى أن نبدأ بالشرعية فنعقد الاجتماع في رام الله ثم غزة».
وقال الفقي: إن إسرائيل هي الأكثر سعادة بكل عملية من شأنها تكريس الوضع القائم في قطاع غزة داعيا إلى عدم تكريس هذا الوضع، وقال: يتعين علينا أن نقف مع شعب غزة اقتصاديا وإنسانيا ولكن يتعين علينا ألا نؤيد الوضع السياسي القائم هناك» معربا عن تخوفه من تأسيس إمارة إسلامية على حساب القضية الفلسطينية مؤكدا أن المقاومة يجب أن تكون عربية فلسطينية وليست إسلامية لأن إصباغ الطابع الديني على الصراع هو في الأساس مبدأ استبعادي من شأنه استبعاد الكثيرين من العرب.