كثر الحديث وتعددت وجهات النظر وتباينت بين مؤيد ومعارض لما حققه الوزير الدكتور غازي القصيبي في وزارة العمل، والعجيب بل المدهش أنك لا تجد من لا يبدي رأيه فيه؛ بمعنى أن الناس قد انقسموا بين مؤيد بالمطلق وبين معارض بالجملة
وإن كان القسم الثاني عددياً أكبر على الأقل في محيط من تناقشت معه أو مع من أبدى رأياً في مجلس حول غازي القصيبي، فتجد من يذهب إلى رفض توجهات الرجل، وبالتالي لا يستسيغ قراراته، وتجد من يستحسن الرجل وبالتالي يؤيد توجهاته وقراراته.
وإن كان ذلك التأييد أو الرفض منبعثاً من كيف يرى الناس غازي القصيبي في توجهاته ورؤاه وشخصيته بالمجمل، إلا أن تمحيصاً في قراراته وكيف بناها والأسس التي انطلق منها ونظرته في واقع الأمور لم يحدث.
غازي القصيبي -عافاه الله- شخصية مثيرة للجدل على كافة الأصعدة، فهو الرجل الشاعر ذو المواقف المتعددة، وتقلده لعدد من الوزارات ونجاحاته الكثيرة التي طغت على بعض الإخفاقات البسيطة وصراحته المباشرة، جميع ذلك لا شك مبعث على الإثارة والحديث حوله في المجالس وغيرها.
الحديث عن غازي القصيبي يتمحور حول رؤى الرجل في المهمة الأخيرة التي أوكلت إليه وهي وزارة العمل وما تبع ذلك من قرارات أصدرها بتوطين الوظائف في بعض المجالات المهمة، إلى جانب اهتمامه بخصوصية الفتاة السعودية حينما طالب بتأنيث محال بيع الملابس النسائية حرصاً -كما ذكرت- على خصوصية الفتاة من جهة ولإيجاد فرص وظيفية لكثير من العاطلات عن العمل بالمملكة، وقبل ذلك أقر توطين وظيفة معينة لمساعدة شباب الوطن على العمل والرزق الحلال، ما أثار -ولا يزال- جدلاً واسعاً في الشارع السعودي.
وحري بي أن أبين بشكل علمي دقيق كيف تلمس الدكتور القصيبي حاجات الناس وبنى بعد ذلك الكثير من قراراته بموجب نسق متكامل من الرؤى، وقبل ذلك يجدر -أيضاً- أن أنوه إلى أنني لا أثني أو أمدح الرجل ولا أذمه بل كتبت ما كتبت بنظرة حيادية تامة.
الرّؤيا ترتسم من عموم الفهم الفلسفي العام للطبيعة، يستند بذلك على معطيات التربية وتجارب وخبرات الحياة، ويؤثر بها الاحتكاك بثقافات الناس المختلفة، لتظهر بعد ذلك الرؤيا وقد اقترنت بمبادئ وقيم مشتركة إنسانياً.
أما الرؤية فتتمحور في قضايا فرعية محددة، بعكس الرؤيا الكلية التي ترتكز على المبادئ والقيم المشتركة إنسانيّاً بغية تحقيق الصالح المشترك.
والإنسان المتزن الذي لا يوظف الرؤية في مصلحة شخصية هو الذي تتسق رؤاه الفرعية مع رؤياه الكلية في كافة الأمور بحيث لا تتناقض الاثنتان ولا تتصادمان ويتحقق لديه الرضا النفسي عما يقوم به من دون خوف أو وجل، ومن دون أن يقع ضحية القلق والاضطراب النفسي نتيجة ما قد يحدث لديه من انفصال بين الرؤية والرؤيا وما ينتج عن ذلك الانفصال من ضغط نفسي هائل لدى صاحبه نتيجة تصرفه في قضية فرعية بأسلوب لا يتماشى ولا يتسق مع الرؤيا الأساس التي يعتنقها ويتصرف عادةً بموجبها.
الدكتور غازي القصيبي وظف رؤياه الأساسية في خدمة رؤاه الفرعية وحمل الأمانة دون تردد واستشعر عظم المسئولية وتلمس حاجات البلد وتوقع المستقبل وإستشرقه وراح يطرق أبواب مختلفة بغية تحقيق نتائج مرضية في المهمة التي أوكلت إليه.
مشكلة الدكتور غازي القصيبي أنه أقر عدداً من الأمور التي تصب في مصلحة المواطن ومن ثم الوطن في وقت كان عدد من لا يريدون تلك المصالح كبير، فغلبت الكثرة الشجاعة. إلى لقاء قادم إن كتب الله.