إذا ما ألقينا نظرة على أرباح البنوك الإسلامية نجدها كبيرة مقارنة بأرباح البنوك التقليدية، فهل هي مباركة من الله لهذه الأموال؟ هذا التساؤل يستحوذ على تفكير أي شخص يرى توجه البنوك التقليدية «الربوية» إلى المنتجات الإسلامية، فهل توجهها لطلب البركة؟ شخصيا لا أعتقد ذلك، وأذهب إلى أن عملية بيع وتسويق المنتجات التمويلية تحت مسميات إسلامية يعطيها ميزة نسبية أثناء تسويقها، وكذلك يلبي حاجة البنوك إلى الأرباح الخيالية التي توفرها لها هذه المنتجات الإسلامية، التي لو قُدِّمت بشكل قروض «ربوية» لقَلَّ حجم هذه الفوائد «الأرباح» على القروض, وهذا ما دفعني إلى حضور ندوات عدة عن المصرفية الإسلامية للوقوف على آخر تطوراتها، خاصة أنني بعد مرحلة الدراسة كنت مقتنعا - كأستاذي في ذلك الوقت - بأن البيوع الإسلامية المطبقة على المنتجات التي نتداولها ما هي إلا عمليات تعتمد على أساليب التمويل حسب النظام الرأس مالي، ولا يطبق فيها المنهج أو النموذج الإسلامي إلا على الورق، وحتى العقود عليها اختلافات. إذن فليس هناك مصرفية إسلامية مطبقة، ولعل ما يدلل على ذلك فتوى المجمع الفقهي فيما يخص عمليات التورق، التي اكتشف العلماء أخيرا أنها تتم وفقا لعمليات منظمة ومحددة مسبقا؛ وبالتالي أصبحت تورقا منظما، وهذا النوع أجمع العلماء المعتمدون بتحريمه، وكذلك تسلسل أحداث أزمة الصكوك الخاصة بمجموعة دبي العالمية، فهذه الصكوك التي يُفترض أنها وفقا لرأي بعض العلماء مجازة إلا أنها تحتوي على مخالفات شرعية صريحة عدة، فأولا الصك يعني إما تملكًا أو إجارة، وفي العرف يعني ذلك حق انتفاع لحامل الصك، أما النقطة الثانية - وهي نقطة الخلل في هذه الصكوك - فهي الآلية التي تعامل معها مصدر وكذلك حامل هذه الصكوك، فتعاملهما معها كتعاملهما مع السندات؛ وبالتالي كديون تنتقل ملكيتها بيعا وشراء، وهذا - حسب علمي - مُحرَّم، وتم كسوة هذه السندات بلباس إسلامي لكي تسوق على شريحة أكبر من رجال الأعمال بالخليج وفي ماليزيا والذين يرغبون في التعاملات الإسلامية لسبب أو لآخر، ولكن في الحقيقة، وعند التعمُّق، نجد أنها عمليات وتعاملات رأس مالية (مؤسلمة) شكلاً فقط.
المصرفية الإسلامية هدف سام ونبيل، ويسعى العديد من علمائنا - حفظهم الله - في المملكة والعالم العربي وكذلك الإسلامي إلى نشرها، وهذا دورهم بوصفهم علماء مختصين، ولكن السؤال المطروح: هل ما يسمى بأرباح على القروض أو التمويل ينطبق عليها نفس العلل التي كانت سبباً لتحريم الربا؟ فعلة تحريم الربا كانت استنزاف أموال المقترض من قِبل المقرض دون وجه حق وبشكل يثقل كاهله بالديون، والآن نرى أن أرباح المنتجات التمويلية الإسلامية تقوم بنفس الدور، والدليل على ذلك لجوء العديد من البنوك التقليدية إلى طرح منتجات إسلامية لرفع نسب أرباحها على حساب المقترض، فهل سيُعاد النظر في ترتيبها وتنظيمها؟
أرجو أن يدرك المختصون بالمصرفية الإسلامية أهمية دورهم في توضيح جوانبها وتصحيح مسارها وتوعية المجتمع بخلافها واختلافها مع المعاملات المصرفية التقليدية بشكل أكثر فاعلية؛ لكي يتحقق الهدف النبيل من المصرفية الإسلامية.
عضو جمعية الاقتصاد
a.barrak@al-jazirah.com.sa