Al Jazirah NewsPaper Saturday  12/06/2010 G Issue 13771
السبت 29 جمادىالآخرة 1431   العدد  13771
 
ماذا بعد ؟!
المعادلة المقلوبة.. دخول شركات وهروب مستثمرين (1-2)
عبدالحميد العمري *

 

كما أن السيف أصدق أنباءً من الكتبِ كما قال أبو تمام، فالأرقام أيضاً أصدقُ أنباءً من أي تصريحاتٍ، وتلك هي الحقائق الرقمية للسوق المالية المحلية تكشف عن نفسها دون أي تجميل أو تشويه لها، لنقرأها على عجلٍ ها هنا ومن ثم نحاول استخلاص ما يمكن استخلاصه حسبما تجود به مساحة هذه الزاوية، أحاول فيها من خلال مقالين متتابعين أن أسلط الضوء عبر مقارنةٍ مختصرة ستقتصر على محاولة الكشف عن أهم سمات مرحلتين فاصلتين من عمر السوق المالية السعودية، المرحلة الأولى: الممتدة من مطلع 2003م حتى تاريخ 25 فبراير 2006م، التي تبلغ مدتها الزمنية بالتحديد 940 يوم عمل بالتمام والكمال، المرحلة الثانية: الممتدة من تاريخ 26 فبراير 2006م إلى نهاية يوم 9 يونيو 2010م، التي تبلغ مدتها الزمنية بالتحديد 1087 يوم عمل. وكما يبدو من أوضاع السوق الراهنة أنها لا تزال قابلة للزيادة! فماذا جرى خلال هاتين المرحلتين الحاسمتين؟! إنه السؤال الذي افتقر إلى إجابةٍ شافية من قبل مختلف الجهات الرقابية، ومجتمع مؤسسات الدراسات والأبحاث وعموم المراقبين. ولا عجب أن تغيب تلك الإجابة في ظل غياب الإحصاءات والأرقام التفصيلية المتكاملة حول صلب تعاملات السوق المالية، والمحاولة هنا تتم بموجب القدر الذي توافر من حصيلة تلك الأرقام التفصيلية؛ التي تم الحصول عليها بشقِّ الأنفس! وعليه؛ يمكن وصف المرحلة الأولى أعلاه بالعنوان التالي: (تصلّب عدد الشركات، مقابل تدافع المستثمرين)، فيما يمكن وصف المرحلة الثانية أعلاه بالعنوان التالي: (تدافع الشركات، مقابل هروب المستثمرين)، وفي كلا الحالتين فالمعادلة مقلوبة قبل وبعد تاريخ 26 فبراير 2006م، ذلك التاريخ المشهود في عمر السوق المالية السعودية.

رحلة البحث عن إجابةٍ شافية لما تمرُّ به السوق المالية السعودية في الوقت الراهن، وفي منظور السنوات القليلة الماضية منذ لحظة الانهيار؛ لا بد أن تتركز في متابعة ومراقبة ودراسة دقيقة تنطلق من بدء لحظة التغير الجذرية التي طرأتْ على السوق، التي عندها اختلفت تماماً طبيعتها اللاحقة عمّا سبقها من مراحل! فأين يا تُرى يمكن لك أن تجد هذه اللحظة التاريخية المهمة جداً؟! ولماذا تحديداً سيتم اختيار هذه الفترة من تاريخ السوق المالية؟ إنه بسبب الاختلاف الجذري الذي طرأ في أعماق السوق، والمرتبطة بصورةٍ رئيسة بنوع وحجم المستثمرين المتعاملين فيها؛ إذ إنه العامل الوحيد والأهم الذي طرأ عليه التغيير، في مقابل ثبات أو استقرار بقية العوامل الأخرى المؤثرة! فما هو هذا التاريخ المفصلي في عمر السوق المالية السعودية؟ إنه التاريخ من الزمن الذي انحصر بين أواخر عام 2002م ومطلع عام 2003م، وإليك حكاية هذا التاريخ فيما قبله بسنوات، وما بعده بسنوات، وماذا جرى فيهما قارئي الكريم، على أن هذين المقالين ليسا إلا مجردَ عبورٍ سريع وخاطف، أحاول من خلالهما إيضاح ما يمكن إيضاحه، وفهم ما يُمكن فهمه حول ما جرى ويجري وسيجري في السوق المالية منذ 26 فبراير 2006م.

قبل عام 2002م، لم يكن أغلب أفراد المجتمع السعودي يعرف حتى أدنى معلوماتٍ عن سوق الأسهم المحلية، إذ لم يكن يتجاوز المتعاملين منهم في السوق أكثر من 53 ألف متعامل فقط! وهو ما لا تتجاوز نسبته 0.3 في المائة من إجمالي السكان، ومع نهاية ذلك العام حدث أن تم الإعلان لعموم أفراد المجتمع عن بدء الاكتتاب العام في شركة الاتصالات السعودية، كان أن بدأت ثورة عالم الأسهم في حياة أولئك الأفراد من المجتمع، ولتنتشر انتشار النار في الهشيم بين القاصي والداني، اندفعَ بعدها الأفراد يجرُّ بعضهم بعضاً إلى أروقة سوقٍ مالية، تفتقر إلى أبسط الأسس التنظيمية، وزاد من سوء الطالع أن حتى تلك الأسس المنظمة والمراقبة لعمل السوق كانت تتحرك بسرعة السلحفاة! بدأت وتيرة التدافع بمئات الآلاف ما لبثت أن تحولت إلى خانة الملايين من الأفراد، على سوقٍ قصيرة الجدران، محدودة الكيانات، لا يتجاوز عدد الشركات المدرجة فيها أكثر من 68 شركة، ولا تتجاوز قيمتها السوقية أكثر من 280 مليار ريال، وقيمة تداولاتها كانت تحوم حول الـ 100 مليار ريال فقط! لتبدأ مع مطلع 2003م سباقاً مع الزمن لم يشهد الاقتصاد السعودي ولا السوق المالية السعودية لهما مثيلاً من قبل.

ارتفع في ظرف أقل من 3 سنوات (940 يوم عمل للسوق) أعداد المتعاملين من نحو 53 ألف متعامل إلى نحو 4 ملايين متعامل، وارتفعت القيمة الرأسمالية للسوق من أقل من 280 مليار ريال فقط، إلى أن تجاوزت سقوفها القصوى قمة 3.1 تريليون ريال، وارتفعت قيمة تعاملاتها السنوية من 133.8 مليار ريال إلى أن فاقت نحو 5.3 تريليون ريال، انعكس هذا الرالي العظيم من الأرقام القياسية المتصاعدة صعوداً على قيمة المؤشر العام للسوق المالية؛ ليرتفع من نحو 2.500 نقطة إلى أن وصل إلى سقفه الشاهق عند مستوى 20.634 نقطة مع صباح يوم 25 فبراير 2006م، أي بما يوازي نسبة للصعود فاقت 725 في المائة خلال تلك الفترة الوجيزة، وتضخمتْ على أثره المؤشرات الرئيسة للسوق المالية الناشئة، حيث ارتفع مكرر أرباح السوق من حدود 15 مكرر إلى أن تجاوز 47 مكرر لحظة الانهيار، وارتفع مضاعف القيمة السوقية إلى القيمة الدفترية للسهم الواحد من نحو 2.3 مكرر، إلى أن تجاوز 11 مكرر لحظة الانهيار، وفي المقابل انخفض العائد الموزع على الأسهم من نحو 4 ريال للسهم الواحد، إلى أن وصل إلى ريال للسهم للواحد، والارتفاع الهائل في معدلات تدويرها آنذاك حيث وصلت إلى أكثر من 430 في المائة! مقارنةً بمستواها خلال عام 2002م الذي لم يتجاوز 48 في المائة، كل ذلك حمل في جعبته ما ينبئ عن دخول السوق المالية السعودية في منعطفاتٍ بالغة الخطورة، دقّت بموجب تلك المؤشرات الأساسية المتضخمة ناقوس الخطر قبل لحظة الانهيار بنحو عام؛ أي منذ مطلع الربع الثاني من عام 2005م، ولعل مما يُلفت الانتباه أن عاماً سبق لحظة الانهيار لم يدفع أي من الجهات الرقابية أو ذات العلاقة بالسوق المالية للتحرك بخطواتٍ جادة نحو منع الفأس من أن تضرب الرأس بذات القوة التي حدثت في منتهى فبراير 2006م، بل على العكس كانت التصريحات الرسمية من مؤسسة النقد العربي السعودية تدعو للطمأنينة وعدم القلق، وأن لا مخاطر يمكن ذكرها تكمن في سوق الأصول السعودية المحلية، بل لقد صرّحت بأنها ستتدخل نحو منع أية انهيارات لو حدثت في حال ظهر ما يُشير إلى احتمال وقوعها، أما في جانب وزارة التجارة وهيئة السوق المالية فلم يزد الشركات الجديدة التي سمحت لها بالإدراج في السوق المالية عن 9 شركاتٍ فقط طوال فترة الصعود، وخلال العام الذي بدأت فيه مؤشرات الخطر تلوح في الأفق لم يتجاوز عدد الإدراجات أكثر من 4 شركات مساهمة! على أننا نتذكر جميعاً أن الأسهم المدفوعة في السوق ليست جميعها متاحةً للتداول، إذ لم تتجاوز نسبة المتاح منها للتداول أمام هذه الحشود الزاحفة من المتعاملين نسباً تراوحت بين 15-18 في المائة فقط، ما يعني أن تلك الملايين كانت تتصارع على كعكة محدودة الحجم لم يتجاوز عددها 250 مليون سهم مصدر (باستبعاد أثر التجزئة، الذي أتى لاحقاً فيما بعد انهيار فبراير 2006م)، ومؤدى القول الأخير هنا أن حتى وزارة المالية لم تلتفت حتى هي إلى ما هو قادم بمؤشراته الخطيرة على تعاملات السوق المالية، رغم أن طاحونة السوق الهائلة التي أزبدت وأرعدتْ في أرجاء الاقتصاد، بما أدّى بدوره إلى إحداث خللٍ كبير في قوى السوق بين عرضٍ هش وطلبٍ مارد، عكس في ثناياه صراعاً لدى الملايين المتدافعين من المتعاملين على أسهمٍ محدودة العدد في السوق، وزاد من اضطرام السوق التاريخية أن فُتح المجال على مصراعيه أمام الملايين من المتعاملين محدودي الخبرة المالية والاستثمارية؛ للاقتراض من البنوك التجارية لتحقيق أكبر ما يمكن تحقيقه من المكاسب، تدغدغهم الأحلام والأمنيات نحو تحقيق أكبر الثروات الطائلة في ظرف أشهرٍ معدودة، لترتفع على أثر تلك المغامرات المتهورة جداً أحجام قروض الأفراد من نحو 40 مليار ريال إلى أن تجاوزت 188 مليار ريال، هذا عدا التسهيلات بضمان أصول المحافظ الاستثمارية التي يُقدّر بأنها فاقت 90 مليار ريال! وفي الجزء الثاني نكمل معاً بقية القراءة..

عضو جمعية الاقتصاد السعودية


me@abdulhamid.net

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد