التقلبات الحادة التي يعيشها السوق المالي السعودي بشكل مستمر منذ عدة سنوات وخصوصا خلال مراحل الأزمة المالية العالمية يضع له المتعاملون تفسيرات كثيرة وإن كان الغالبية قد اعتاد عليها واعتبرها معضلة لا يمكن حلها، إلا أن الهيئة بدأت منذ أكثر من عامين بالتركيز على تعميق السوق على اعتبار أنه أحد أهم العوامل التي تقود السوق للاستقرار وتخفف من حدة التذبذبات مع تطوير العمل المؤسسي والذي سيأخذ وقتا طويلا حتى يترسخ وتزيد حصة تأثيره بحركة السوق كونه سيلعب دورا إيجابيا بتوازن حركته ويبرز عاملين أساسيين بالمنظر العام للسوق السعودي حالياً.
فالعامل الأول يتمثل بهيكلة القطاعات وأوزانها وعدد الشركات المدرجة ولكن الحديث عن زيادة عدد الشركات مع الإدراجات الكبيرة والعديدة خلال آخر ثلاث سنوات والذي اقترن أيضا بإعادة هيكلة القطاعات يفتح النقاش حول تأثير كل ماعمل سابقا بهذا الجانب بضبط تغيرات السوق بكلا الاتجاهين ومن خلال معرفة تأثير كل قطاع من الخمسة عشر التي بنيت الهيكلة على أساسها نجد أن قطاعي المصارف والبتروكيماويات يشكلان حوالي 62% بينما تشكل بقية القطاعات الثلاثة عشر 38% ويحظى قطاع الاتصالات بحوالي 10% منها وإذا ما ربطنا أداء السوق بشكل عام مع وضع الاقتصاد العالمي الصعب نجد أن قوة التأثر السلبي التي حدثت ومستمرة إلى الآن يؤثر بها القطاعان الكبيران: المصارف والبتروكيماويات وهما الأكثر ارتباطا بالعالم بمعزل عن الدخول بتفاصيل هذه العلاقة وبالرغم من زيادة عدد الشركات خلال الثلاث سنوات الأخيرة بأكثر من 55 شركة وتركز أغلبها بقطاعات لها ارتباط بالاقتصاد المحلي إلا أن أغلبها كانت بأحجام صغيرة وشكلت شركات التأمين قرابة نصف الإدراجات التي أضيفت للسوق.
واذا ما نظرنا إلى توزيع قطاعات الاقتصاد من حيث الحجم يبرز قطاع العقار كأكبر قطاع غير نفطي بحجم سيولة تتخطى 200 مليار ريال سنويا إلا أن نسبة قطاع التطوير العقاري في قيمة السوق لا تتعدى 4% ويأتي قطاع التشييد والبناء بنسبة تقل عن 1% بالرغم من حجم هذا القطاع الكبير بالاقتصاد حيث يتخطى حجمه 100 مليار ريال فيما يقل حجم قطاع التجزئة عن 2% رغم السوق الكبير في المملكة حيث تعد أكبر سوق استهلاكي بحجم يفوق 95 مليار ريال وبالتالي فإن عدم التوازن بأحجام القطاعات وإن كان طبيعيا بأي سوق عالمي إلا أن تباين الأحجام بين ماهو مرتبط محليا وعالميا يشكل إحدى أهم نقاط الضعف حاليا بالسوق المالي مما يفترض التركيز مستقبلا على تعميق السوق من خلال الشركات المرتبطة بالقطاعات الحيوية التي ترتبط محليا بشكل كبير كالعقار والمقاولات بخلاف ضرورة إعادة هيكلة السوق بإضافة قطاعات صحية وتعليمية كونها أيضا من القطاعات المهمة أيضا.
اما العامل الثاني الذي يعد مخرجا مهما من تأثيرات العامل الأول هو إعادة هيكلة السوق المالي على أساس ومعيار آخر يتركز باللجوء إلى اعتماد سوقين يكون أحدهما للشركات الكبيرة أو ما تسمى بالقيادية والآخر للشركات الصغيرة والمتوسطة مما يلغي التأثير النفسي الذي يقع على المتعاملين حاليا وكذلك يضع خيارات أخرى لهم بالتعامل مع السوق خصوصا أن عدد الشركات أصبح كبيرا بحيث يسمح بإعادة النظر ببقاء السوق كتلة واحدة.
كما أنه من المهم اليوم أن يكون هناك توعية بجوانب أحجام الشركات وأوزانها وأيضا عمليات ضبط أكثر لتوجهات السيولة المضاربية في حالة السوق الحالية وعملية تقسيم السوق إلى سوقين تلعب دورا مهما بذلك بخلاف مزايا عديدة سيستفيد منها السوق المالي عموما عبر عمليات التفنيد لمكوناته مما ينعكس بجاذبية أكثر للاستثمار المحلي والأجنبي.
ارتباط الاقتصاد السعودي بالعالم مسألة حتمية وانعكاس الوضع الدولي السلبي على أداء السوق منطقي في ظل هيكلة السوق الحالية التي تتأثر اتجاهاته من خلال تشكيل قطاعين مرتبطين بالعالم ثلثي حجم السوق مما يعني لو أن النسبة المرتبطة محليا هي المسيطرة لو جدنا أن تقلبات السوق تكون بنسب أقل بكثير مثلما يلعب عامل بقاء السوق كتلة واحدة دورا سلبيا على النظرة لمكوناته واختلاف علاقتها بين التأثير المحلي والعالمي.