تحدثت إلى مسؤول كبير في المديرية العامة لمكافحة المخدرات عقب الإعلان الأخير لضبط كميات كبيرة من أنواع المخدرات الفتاكة، التي كانت ستجد طريقها إلى السوق. ويبدو أن السوق السعودية أصبحت سوقاً مستهدفة. وأعجبت كثيراً بشفافية رجل الأمن الأول، الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود، عندما قال إن الكميات التي تصل إلى المملكة العربية السعودية من الحشيش والهيروين والكبتاجون، كميات غير معقولة ومزعجة، ولولا وجود المشتري لما أتت بهذا القدر. وطالب الأمير نايف القضاء بأحكام رادعة لكل من المهرب والمستقبل والمروج، وهؤلاء هم أطراف المعادلة وجانب العرض من السوق. وكلهم شركاء في الجرم، وهم يشكلون حلقة واحدة، وهي حلقة محكمة، وتعمل كما يبدو بمهنية عالية، وإن كان جانب المكافحة، وهم المديرية العامة لمكافحة المخدرات، هي الأخرى تعمل بمهنية وكفاءة عالية، ولكنها هي معادلة السوق هكذا. لكل طرف مهمته. ونأمل أن تميل كفة المكافحة. ولكن هذا يتطلب دعم العمل المدني، إذ يفترض أن تساند أعمال المجتمع المدني أعمال الجهات الحكومية الرسمية، فهذا الداء وهذه الآفة تنخر في المجتمع، وتصيب الاقتصاد. ومن الصعب جداً إغفال الآثار الاقتصادية لانتشار المخدرات، فهي أولاً توجه الموارد الاقتصادية، ومنها الإنفاق الاستهلاكي، إلى غير مصارفه الطبيعية. وتقدر القيمة السوقية للمضبوطات الأخيرة التي تمت خلال ثلاث أشهر فقط بأكثر من 400 مليون ريال سعودي، وهذا يعني أن القيمة السوقية للمضبوطات تتجاوز مليار ريال سعودي في العام الواحد. فما بالك بالكميات التي تصل إلى السوق وتخترق الحواجز الأمنية، إنها بلا شك كبيرة. ولهذا فإن المخدرات تمثل حالياً أحد أهم التحديات التي تواجه المجتمع السعودي، وهي تحديات اقتصادية في الوقت نفسه. فالمخدرات، إلى جانب البطالة وارتفاع الأسعار وانخفاض القوة الشرائية، تعكس تحديات اقتصادية لها تبعات اجتماعية وأمنية غير محمودة. وعلى المجتمع، أفراداً وأسرة، التنبه إلى هذا الخطر الحقيقي الذي لم يعد من الممكن السكوت عليه والإدعاء بأننا مجتمع فاضل لا توجد به تشوهات أو مشاكل أو مساوئ، فالشفافية والصراحة الآن مطلوبة، وهي المدخل الموضوعي لمعالجة الخلل في المجتمع والاقتصاد. ومن غير المنطقي السكوت على ما يجري في المجتمع والقبول به أو السكوت عليه، فهذا مخالف لأمانة الكلمة ومسؤولية المواطن الصادق. وأحسب أن مروجي المخدرات يستهدفون في المقام الأول فئة الشباب، وهم الفئة الغالبة في المجتمع، وهم الفئة التي يسهل اختراقها، واستغلال حال الشباب في الوقت الحاضر، وما يعانون من ضغوطات اجتماعية وكبت، وضعف سبل الترفيه ووسائل قضاء الوقت. وأذكر في هذا السياق، مطالبة الأمير نايف بن عبدالعزيز بالحرص على تهيئة المناخ المناسب لشغل أوقات الفراغ للشباب وإنشاء نوادي للشباب في جميع مناطق المملكة العربية السعودية، فالفراغ، إلى جانب البطالة، يسهمان بشكل مباشر في ضعف مقاومة الشباب لإغراءات وطرق مروجي المخدرات، خاصة وأن نسبة البطالة في الاقتصاد السعودي عالية جداً، وتكاد تصل إلى 30% للفتيات، وهن الآن عرضة للحملات الترويجية لشركات السجائر، كما جاء في الإعلان الذي تبثه الجهات المنظمة لليوم العالمي لمكافحة التدخين الذي صادف يوم 31`مايو الماضي. فالتدخين يعد مدخلاً للمخدرات، يستغله مروجو المخدرات. وكما قال الشاعر فإن من يهن يسهل الهوان عليه. ولذلك فإن انتشار التدخين والمسكرات في المجتمع أمر غير صحي إطلاقاً. وكما عرفت من الأخوة في الجمعية الخيرية لمكافحة التدخين، ومنهم الأمين العام للجمعية سليمان عبدالرحمن الصبي، فإن عدد المدخنين في بلادنا تجاوز الآن 6 ملايين شخص، وأطلعني على نماذج لشركة سجائر تروج لمنتجها في أوساط الشباب بجوائز فورية لمستخدمي السجائر. هكذا دون خوف من رادع رسمي أو وازع من ضمير. ولفت نظري، في مثل آخر، لوحة إعلانية على يمين النازل من مطار الملك خالد بالرياض بالدائري الشرقي وتقريباً أمام جامعة الإمام، لوحة إعلانية تروج لشراب البيرة، من دون كحول طبعاً، ولكنها تقول «عيش مودك» وهو إيحاء غير مناسب، يمكن أن يربط المزاج بهذا النوع من الشراب، وهذا مدخل غير محمود وغير مقبول إطلاقاً، ولا يجب السماح به.
هذه أمور تسهم في ضعف مقاومة الشباب أمام المخدرات، وتسهل على مروجي وموزعي المخدرات اختراق الشباب، وهم وقود التنمية، وسقوطهم في شراك المخدرات يعني تكلفة اقتصادية عالية في مجتمع فتي يعتمد عليهم كثيراً لرسم معالم اقتصاد الغد. دعونا نعمل يداً بيد لخلق مجتمع مدني نابه يدرك هذه الأخطار التي تحدق بنا، وندعم جهد الدولة في مكافحة المخدرات.
رئيس (دار الدراسات الاقتصادية) - رئيس تحرير مجلة (عالم الاقتصاد) - الرياض