حوار - جاسر الجاسر
السفير الروسي الجديد أوليغ أوزيروف مشبَّع بالثقافة الإسلامية والعربية، ومع أنه يعمل في المملكة لأول مرة مثلما هو عمله كسفير، إلا أنه ملم تماماً باهتمامات المملكة وثقافة وحضارة العرب التي يعدُّ جذرها نابع من الأرض السعودية التي هي مقصد المسلمين والعرب جميعاً.
(الجزيرة) التقت السفير أوزيروف الذي أسهب في الحديث عن المملكة العربية السعودية وعن العرب والمسلمين.
مع أنه لم تمض سوى أسابيع قليلة على وجودكم في المملكة.. ما الانطباع الذي تكوَّن لديكم عن هذا البلد الذي ستعمل به سفيراً لبلادكم؟
- تعدّ الرياض أول مهمة لي كسفير في الخارج، لأني أول مرة أعمل كسفير، وقد وصلت المملكة منذ تسعة أسابيع، وأنا مسرورٌ جداً بهذا التمثيل وهذه أول مرة أزور فيها المملكة.
وبالرغم من قراءتي الكثيرة عن المملكة إلا أنني مندهشٌ جداً لما رأيت وفوجئت به، فالمملكة جميلة وممتعة وهي بلد يتطور بتواتر سريع، ولكبر مساحتها فلم أتمكن من زيارة جميع الأماكن، حيث لم أزر سوى المنطقة الشرقية.
والمملكة هي بلد عريق ذو تاريخ قديم ويتميز بصفات لا تجدها في بلدان أخرى، فالمملكة هي مهد الإسلام وبلد القرآن، والجميع يعرف أن لروسيا علاقة قديمة مع العالم العربي والإسلامي لوجود العديد من المسلمين في روسيا، حيث تضم روسيا العديد من الأديان والقوميات مما يميزها بإمكانية التعايش بين الأديان وبالذات بين الإسلام والمسيحية.
ومن خلال عملي كسفير في المملكة بالإضافة إلى واجباتي الرسمية سأسعى إلى زيادة معرفتي بجذور وأصول الإسلام لوجود مكة المكرمة والمدينة المنورة، والمسلمون يتجهون في صلاتهم للقبلة، مكة المكرمة، إلى جانب ذلك فأنا مهتمٌ أيضاً ومنذ فترة طويلة بالقضايا العربية (أثناء عملي في الدول العربية) والنضال العربي ضد الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك بموضوع القدس، لذا فنحن نفهم بأن مستقبل العلاقات بين المسلمين وباقي معتنقي الأديان الأخرى يكون عبر الحوار، مما أكسب ذلك الأولوية في اهتمامات المجتمع، وفي روسيا نحن نتمنى أن تتطور العلاقات وبالذات مع الدول العربية بصورة سلمية لمصلحة كل الأطراف المتداخلة في هذا الحوار.
وبالنسبة لي سأسعى من خلال عدم حصر نفسي في العمل الدبلوماسي وأسعى إلى تطوير العلاقات بين البلدين في الجانب الثقافي والحضاري والاطلاع عليهما، فالجانب الحضاري مهمٌ جداً وروسيا بلد عريق ويمتلك حضارة عريقة.
وكانت روسيا ضيف شرف العام الماضي لمهرجان الجنادرية، وكان لروسيا حضور ثقافي وقد حضر الفعاليات وزير الثقافة الروسي السيد بالديف، وقد ذكرت التقارير أن المشاركة الروسية قد حققت نجاحاً كاملاً وواسعاً، ونأمل بألا تكون هذه هي الفرصة الأخيرة لتطوير العلاقات الثقافية.
والعلاقات بين المملكة وروسيا ليست وليدة هذا المهرجان، حيث تم قبل سنوات عدة توقيع اتفاق تبادل ثقافي.
روسيا قطعت شوطاً كبيراً في تمتين العلاقات الثقافية، ولكنّ هنالك ضعفاً في العلاقات الاقتصادية بين البلدين أو لنقل لم ترتق إلى مستوى قوة الاقتصاد السعودي والروسي وأهمية البلدين، ما هي الخطوات التي ستقوم بها لتفعيل التعاون الاقتصادي؟
- في علاقتنا الاقتصادية مع المملكة لم نبدأ من الصفر، وبالرغم من ذلك فهي لم تلبِ طموحات البلدين ولا تتناسب مع حجم الاقتصادين الروسي والسعودي، وقد بلغ حجم التبادل التجاري الآن مليار دولار، وهذا لا يكفي إطلاقاً، وبالنسبة لمجالات التعاون بين البلدين فروسيا تطلق الأقمار الصناعية السعودية للأغراض العلمية، وهنالك أطباء روس يعملون في المملكة، بالإضافة إلى وجود طلبة سعوديين في الجامعات والمعاهد الروسية، بالرغم من قلة عددهم.
أما فيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية فنحن نعمل على تطويرها، ومنذ أن بدأت مهامي كسفير لبلدي في الرياض بدأت بالإعداد للاجتماع السادس للجنة الاقتصادية الروسية السعودية التي ستعقد في (بطرسبورج) في 17 - 19 يونيو وسيرأس الوفد السعودي محافظ هيئة الاستثمار عمرو الدباغ، وفي الجانب الروسي وزير الطاقة (سيركيس شماركوف)، حيث سيتم خلال هذا الاجتماع مناقشة سبل تطوير العلاقات الاقتصادية والتعليم ومشاريع الطاقة والزراعة والتعليم ومشاريع البنية التحتية.
وللحديث عن مجال الاستثمار في المملكة، ففي المملكة إمكانات كبيرة وتشهد عملية بناء وتطوير في عهد خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبدالعزيز، فهو يسعى إلى عمل تغيير بنيوي، وهذه المرحلة تعدُّ مرحلة مهمة في تاريخ المملكة، وأجدني أقارنها بمرحلة شهدها التاريخ الروسي في فترة القيصر البطرس العظيم، ونجد الملك عبد الله يقيم المدن الاقتصادية والطبية والعلمية، ويسعى إلى تطوير البنية التحتية بشكل جذري.
والمملكة الآن تصرف أكثر من ثلث ميزانيتها على التعليم ومن خلاله يمكن إيجاد مستقبل رائع للتعاون بين البلدين وهو يتطلب جهداً متبادلاً لذلك، حيث إنه لا يمكن التصفيق بيد واحدة، فيجب أن تتضافر الجهود ما بين الروس والسعوديين لتحقيق ذلك. بالإضافة إلى ذلك فقد بدأت الشركات الروسية تنفذ أعمالاً في المملكة كشركة (كول سيتركاز) وشركة (كوستباسكي) وهذه هي أول شراكة توجد لتطوير التعاون الاقتصادي بين البلدين في السعودية.
ونستطيع القول بما أن هنالك إرادة سياسية وعلاقات قوية بين القيادتين فإن ذلك سيترجم إلى علاقات اقتصادية مثمرة، والجميع يعمل لتحقيق ذلك.
* هل يمكن القول بأن العلاقات المتميزة ما بين القيادة السعودية والروسية تضيف دفعة قوية لمستقبل العلاقات الثنائية بين البلدين؟
- أعتقد أن العلاقات الشخصية في السياسة الدولية مهمة جداً، ونلاحظ أن العلاقات ما بين روسيا والمملكة بدأت بالتطور بعد زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز (عندما كان ولياً للعهد) إلى موسكو في عام 2003، وتقابلها زيارة الرئيس بوتين إلى المملكة في عام 2007م مما أدى إلى حركة العلاقات الاجتماعية والآن وتحت رئاسة الرئيس ميديفيدف أعتقد أن روسيا ستبذل جهدها لتطوير علاقاتها وبنائه وعلاقات صداقة مع المملكة، وعلى الصعيد الشخصي فأنا سعيد جداً بالحفاوة التي حظيت بها من الحكومة السعودية والشعب السعودي لدى قدومي إلى المملكة.
إذا هل العلاقات الروسية - السعودية تنعكس على سبل تحريك القضايا في المنطقة؟ فمثلاً روسيا دعت إلى مؤتمر للسلام وهي تعدّ القطب الذي يشارك الولايات المتحدة الأمريكية في قمة العالم، والمملكة دولة مؤثرة إسلامياً وعربياً وحتى دولياً، هل هناك تنسيق أو نوع من التعاون ما بين البلدين لحل هذه القضية المركزية؟
- بالتأكيد هنالك مجالات واسعة لتعاون سياسي ما بين المملكة وروسيا، خصوصاً في سبل حل المشكلات والقضايا الإقليمية بما في ذلك النزاع العربي الإسرائيلي، فمواقف المملكة وروسيا قريبة جداً نحو طرق الحل منذ البداية، حيث أيدت روسيا مبادرة السلام التي قدمها الملك عبد الله بن عبد العزيز عندما كان ولياً للعهد، بالإضافة إلى أننا في إطار الرباعية دائماً ما نصر على إدخال المبادرة السعودية العربية لأننا نعتقد أن هذه المبادرة بالفعل طريق سليم لبناء سلام في الشرق الأوسط، وكذلك هو يمثل الانسحاب الكامل لإسرائيل من الأراضي المحتلة في 1967، كما أننا نرى أن المبادرة العربية يجب تنفيذها أكثر مما كانت عليه في السابق، بالأخص بعد الأحداث المؤلمة التي تعرضت لها غزة وأساطيل المساعدة التي عبرت البحر المتوسط.
إذا ندخل إلى محورٍ آخر ولا شك في أن المملكة وروسيا تعرضتا إلى عمليات إرهابية، ما هو تقييمك للجهود التي بذلتها المملكة لمواجهة الإرهاب المؤدلج؟ وهل هناك تعاون سعودي - روسي لمواجهة هذا النوع من الإرهاب؟
- نحن في روسيا نقدر الجهود السعودية في مكافحة الإرهاب، فالجميع يعرف ما تبذله السلطات السعودية، لذلك فهي تسعى وبشتّى الطرق ليست لمكافحة الإرهاب فقط، وإنما لانتزاعه من جذوره، وهنا فنحن نشارك المملكة نفس الرأي والموقف لذلك الهدف، ونعتقد أن الإسلام هو دين السلام ودين التعايش السلمي ما بين الناس والإسلام دين كرامة، فلذلك فإن الذين يرتكبون العمليات الإرهابية ويظهرون بأنهم مسلمون فهم لا يرتبطون به حسب ما أعتقد، لأن الإسلام هو حياة السلام.
وفي مجال مكافحة الإرهاب نجد أن هنالك نطاقاً واسعاً للتعاون فيما بين المملكة وروسيا وفي كل المجالات المتعلقة بذلك وتجاه جميع التنظيمات التي تحاول زعزعة الاستقرار ونشر العنف في المنطقة.
كما يمكن أن يكون هنالك تعاونٌ في مجال حوار الحضارات وإيضاح الإسلام الحقيقي ونحن نعدّ روسيا حليفاً للمملكة للعمل المشترك بالحوار.
ما هو تقييمك لجهد خادم الحرمين الشريفين بإطلاق (ثقافة الحوار) وذلك رداً على الأصوات الغربية التي تتبنى صدام الحضارات؟
- روسيا كانت منذ البداية تقف ضد صدام الحضارات ولذلك فقد رحبنا بمبادرة خادم الحرمين وأيّدناها ليس على مستوى الكلام والشعارات فقط، بل قمنا بمشاركة المملكة في المؤتمرات وكنّا ننطلق من نفس المواقف ونحن مع فكرة الملك عبد الله بن عبد العزيز في تشكيل لجنة خاصة في الأمم المتحدة لهذا الموضوع.
برأيك وتصورك العلاقات الروسية مقبلة على تطور وستدخل آفاقاً جديدة لصالح الشعبين؟
- روسيا دولة كبرى ولها دورٌ كبيرٌ في مجلس الأمن على الصعيدين الاقتصادي والسياسي ونحن نعيش مرحلة مهمة وهي مرحلة النهضة الحقيقية ويجب أن نقوي علاقتنا بين البلدين، فالمملكة وروسيا بينهما مصالح مشتركة، لذا يجب أن نسهم في تطوير العلاقة بين البلدين.
والمصالح بين البلدين هي متشابهة وليست متقايضة، والبلدان يملكان طاقات جبارة يجب تجسيدها بشكل يخدم تلك المصالح لما سيعود على البلدين والشعبين بالمنفعة والفائدة.
سعادة السفير: لا نريد أن نطيل عليك ولكن كعادة الصحافيين يتطلعون إلى الظفر بشيء جديد، فماذا تكشف عن جديد العلاقات الروسية السعودية؟
- من الصعب أن أكشف عن ذلك لأنني وصلت قبل شهرين ولكن عوضاً عن ذلك فيمكن القول: إن هنالك بعض الأفكار لا أريد أن أتحدث عنها الآن ولكن سيتم كشفها على أساس تطوير علاقاتنا، إن شاء الله ستكون هنالك أخبار (بيضاء) وجيدة عن مستقبل تلك العلاقات.