قال المؤلف (ص66): «استطاع الأمير محمد بن رشيد استغلال الفراغ السياسي، الذي تركه الانسحاب المصري من نجد واستغلال الظروف الناجمة عن القتال بين أفراد الأسرة السعودية وسيطرة الدولة
العثمانية على الأحساء في تحقيق طموحاته والسيطرة على شرق ووسط الجزيرة العربية».
ومن المعروف أن الانسحاب المصري من نجد قد تم عام 1257هـ نتيجة لقرار مؤتمر لندن عام 1840م. وكان ذلك في حياة الأمير عبدالله بن رشيد المتوفى سنة 1263هـ، وأن الأمير محمد بن رشيد لم يتولَّ الإمارة إلا في عام 1289هـ، أي بعد ثلاثين عاماً من الانسحاب المذكور. ومن المعلوم، أيضاً، أنه لم يسيطر على شرق الجزيرة العربية، بل إن شرقها عند توليه الإمارة وحتى عام 1331هـ كان تحت حكم الدولة العثمانية. بل إن المؤلف نفسه قال في العبارة نفسها: إن تلك الدولة كانت مسيطرة على الأحساء.
وعنوان الفصل الثاني من كتاب الباحث جبَّار عبيد «السياسة الداخلية للإمارة. ويتكون من محورين: طبيعة الحكم والشؤون الداخلية. ويتضمن المحور الثاني أربعة أمور: القضاء، والنظام المالي، والجيش، والأوضاع الاقتصادية.
- مما قاله المؤلف في حديثه عن طبيعة الحكم (ص48): «واختلفت إمارة حائل في طبيعة حكمها عن الإمارة المجاورة كإمارة آل سعود مثلاً في كونها فصلت الجانب الديني على الجانب السياسي، وبالتالي فهي ذات طبيعة قبلية وليس دينية».
ومن الواضح ما في الفقرة السابقة من ضعف لغوي. والواقع أن حكم آل سعود كان مبنياً على أساس ديني، وأن إمارة آل رشيد كانت مبنية على أساس قبلي أو إقليمي. لكنها -مع ذلك- لم تكن ضد دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب التي ناصرها آل سعود. في حديث المؤلف عن القضاء قال (ص86): «كان الأمير يعقد مجلس القضاء مرتين في النهار. وقد رأى فالين مئتي شخص وفدوا من مختلف أنحاء شبه الجزيرة العربية على عبدالله بن رشيد حتى يعرضوا عليهم دعاواهم مما يدل على علو كعبه في مجال القضاء».
ومن المعلوم أن كلمة القضاء إذا أطلقت في بلد إسلامي، مثل نجد، فإن المراد بها ما يقوم به القاضي الشرعي المؤهل فقهياً، وليس ما يتلقاه الأمير من شكاوى أتباعه. فكون الناس يرفعون شكاواهم إلى الأمير شيء، وإجراء القضاء الشرعي شيء آخر. وكان في حائل -زمن الأمير عبدالله بن رشيد- عالم شريعة يعمل قاضياً بين الناس. وكان يُعين من الحكومة المركزية في الرياض. وكان القضاة في زمن ذلك الأمير: سليمان بن عبيد، وأخوه محمد، وعبدالعزيز بن عبدالجبار، ومحمد بن يوسف.
- قال المؤلف ( ص86-87): «كل ما نعرفه عن هذا الجهاز -أي جهاز القضاء- أن الأمير هو الذي يُعين القاضي في منصبه بعد أن يتلقى علومه في إحدى المدن الكبيرة المجاورة للإمارة خارج الجزيرة العربية كالقاهرة، أو داخل الجزيرة العربية كالمدينة المنورة والرياض». ومما يؤخذ على الكلام السابق أن القاهرة ليست من المدن المجاورة لإمارة حائل. والذين تولّوا القضاء في عهد عبدالله بن رشيد عُيّنوا من الحكومة المركزية في الرياض، كما سبق أن ذكر. ولم يكونوا، أصلاً، من بلدة حائل (انظر علي الهندي زهر الخمائل، ص 80-81). وكانت دراستهم في نجد.
أما الفصل الثالث من كتاب الباحث جبّار عبيد فعنوانه «العلاقات مع الأقطار العربية». وتتكون تلك الأقطار من ثلاثة هي الكويت، والحجاز، وقطر.
- في حديث المؤلف عن علاقة إمارة حائل بالكويت قال (ص 116): «استطاع مبارك بقواته النجدية دخول مدينة بريدة وعنيزة، وواصل تقدمه حتى وصل قرية الطرفية على بعد 20 ميلاً عن بريدة، وجعلها قاعدة لجيشه. وكان كلما مرّ بمنطقة استمال إليه أهلها». والواقع أن مبارك بن صباح لم يدخل مدينة بريدة ولا مدينة عنيزة، بل الذين دخلوهما حلفاؤه من آل مهنا أبا الخيل وآل سُليْم. فآل مهنا دخلوا بريدة وآل سُليْم دخلوا عنيزة، ثم انسحب هؤلاء وأولئك من المدينتين بعد العلم بهزيمة مبارك الساحقة في الطرفية أو الصريف.
- قال المؤلف ( ص 178-179): «دخلت القوات العثمانية مجتمعة إلى جانب قوات ابن رشيد في معركة فاصلة ضد القوات السعودية في فجر الخامس عشر من تموز 1904م بجوار قرية البكيرية.. وتشتت القوات السعودية في بداية المعركة على أثر القصف المدفعي العثماني عليها وإصابة قائدها، الملك عبدالعزيز آل سعود، في يده اليسرى، وأشيع عن مقتله أو أسره في المعركة مما كان له الأثر على معنويات أتباعه، وفرارهم من ساحة المعركة دون هدف، ولكن ابن سعود أدرك هذه الكارثة في جنده، فرجع مرة أخرى لجمع قواته. وقد عبّر السلطان العثماني عن فرحته بهذا الانتصار بمنح المشاركين في هذه المعركة ميدالية فضية، أما ضباطهم فمُنحوا ميداليات ذهبية».
وما حدث في المعركة البكيرية جدير بأن يتحدث عنه بنوع من التوضيح.
وكان كاتب هذه السطور ممن تحدثوا عنه بالتفصيل، سواء في الجزء الثاني من تاريخ المملكة العربية السعودية، ج2، ط8، 1427هـ، ص 83-91، أو في كتابه معارك الملك عبدالعزيز المشهورة لتوحيد البلاد، ط3، الرياض 1419هـ، ص 89-95. وملخص ما حدث كان كما يأتي:
زحف الأمير عبدالعزيز بن رشيد بأتباعه ومعه القوة العثمانية إلى القصيم حتى وصل إلى الشيحية المجاورة لبلدة البكيرية. أما الملك عبدالعزيز فأرسل إلى أتباعه لموافاته بالمقاتلين حتى اجتمع لديه منهم عدة آلاف. فخرج من بريدة ونزل البُصر، ثم ارتحل إلى البكيرية محاولاً أن يمنع خصمه من دخولها. وما إن وصل إلى البلدة في منتصف نهار آخر يوم من ربيع الآخر عام 1322هـ (12-7-1904م) حتى رأى ابن رشيد مستعداً لقتاله. ويبدو أن الملك قسم أتباعه إلى قسمين: الأول كانوا مقاتلي الأقاليم النجدية الواقعة جنوب القصيم والثاني كانوا أهل القصيم. ومع هؤلاء وأولئك أقوام من البادية. وقد ركّز ابن رشيد هجومه ونيران مدافعه على القسم الأول حتى أنهك هذا القسم، لاسيما من نيران المدافع، فبدؤوا ينهزمون. واقتفى أثرهم قوم ابن رشيد. لكن أهل القصيم أحرزوا تقدماً كبيراً على من كانوا أمامهم من جيش ابن رشيد، وهزموهم. وفي تعقبهم للمنهزمين وصلوا إلى أولئك الذين كانوا في ساقة المنهزمين من أتباع الملك عبدالعزيز، فظن أولئك المتعقبون أن الملك لم ينهزم، بل عمل التفافاً، فانهزموا، أيضاً، أمام أهل القصيم. وهكذا كانت نتيجة البكيرية غريبة، إذ انهزم فيها قسم من أتباع الملك عبدالعزيز بقيادته، وانتصر قسم آخر من أولئك الأتباع، ورجحت كفة جيش ابن رشيد في بداية المعركة بدرجة كبيرة، لكنه انهزم في نهايتها. وكان أغلب قتلى من كانوا مع ابن رشيد من الجنود النظاميين، وذلك لأن فرسانه من الحاضرة والبادية تمكنوا من الهروب أمام نيران بنادق أهل القصيم أسرع من أولئك الجنود.
وبإيراد هذا الموجز عن تلك المعركة ينتهي الحديث عن كتاب الباحث الدكتور جَبَّار يحيى عبيد التاريخ السياسي لإمارة حائل.
وفّق الله الجميع وسدّد خطاهم.