تهل علينا في السادس والعشرين من هذا الشهر الذكرى الخامسة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك الإنسان، عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود أيده الله مقاليد حكم هذه البلاد، خلفاً لأخيه الراحل الجليل، خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود طيب الله ثراه وأحسن مأواه.
- وقد كانت السنين الخمس الماضية (سماناً) بمقاييس كثيرة شهدنا خلالها ما تحقق لبلادنا من مكاسب على صُعُد كثيرة، حضارياً وتنمويا وسياسياً، نذكر منها، للتمثيل لا للحصر، ما يلي:
أولاً: عاشت بلادنا تجربة الحوار مع نفسها ومع (الآخر) حواراً تسكنه الشفافية في الطرح، والصدق في الظن، والولاء للثوابت، وشاركت في هذه التجربة الرائدة شرائح تمثل أطيافا مختلفة الديني منها والرسمي والثقافي والتربوي والمهني، وتناولت موضوعاتها شؤوناً وشجوناً مما يفتن الضمير، ويشغل الخاطر من قضايا ذات مساس بنمو المجتمع ورفاهيته، في حاضره ومستقبله. كما اقترن ذلك بالانفتاح ثقافياً على العالم عبر منبر (حوار الأديان) الذي دعت إليه المملكة ورعته حضوراً ومشاركة.
- وقد فتح الملك المفدى بهذه التجربة بابا من التلاحم الفاعل والفريد معاً تبادلاً للرأي والرأي الآخر بين الشرائح المثقفة وغير المثقفة بقصد إقامة جسور من الفهم والتفاهم بينها يلغي ركام الوهم والتجافي والظن الذي ليس من الحق في شيء، ويهدف للوصول إلى كلمة سواء في أمور كثيرة، وفي الوقت نفسه، (يقصي) كل ما يمكن أن يفضي إلى (إقصاء) الرأي الآخر أو يحرض عليه أو يستهزئ به، عدا ما قد يمس ثوابت المعتقد ورواسخه التي لا جدل فيها ولا فسوق ولا عصيان!
ثانياً: فتح سيد هذا الكيان حفظه الله الأبواب مشرعة دعماً للمعرفة ونشراً لها، تعليماً وبحثاً وتحصيلاً، واستشهد في هذا الصدد بما يلي:
أ- تم افتتاح المشروع العلمي العملاق ممثلاً بجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية لتكون واحة مثمرة للعلم والعلماء، وبوابة عبور هامة صوب العالم الأول، ومن خلالها تكرس عزم بلادنا وعزيمتها للحاق بركب التقدم العلمي والتقني والصناعي، وبها سيتحقق بإذن الله الكثير مما تطمح إليه المملكة في سعيها الحثيث نحو غد واعد بالخير والنماء للوطن بكل شرائحه وقطاعاته.
ب- أنشئ صرح علمي جديد يعني بالطاقة الذرية والطاقة المتجددة، ويسعى إلى فتح الآفاق العلمية والعملية لتنويع مصادر الطاقة، وتطبيقاتها كيلا تبقى بلادنا معتمدة على مصدر واحد، هو النفط ومشتقاته، وستمهد بإذن الله (مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة)، الدرب أمام بلادنا للدخول سلمياً في مجال الطاقة الذرية بحثاً وتمنية وإنتاجا، لما ينفع ولا يضر.
ج- وسعت دوائر الابتعاث للدراسات الجامعية وما بعدها، شملت عدداً من دول العالم، شرقاً وغرباً، وانطلقت من هذه الأرض المباركة قوافل من الشباب والشابات إلى عدد من أمصار العالم المتحضر، بلغ تعدادهم حتى الآن ثمانين ألف مبتعث ومبتعثة، وستكون هذه الوفود، بعد عودتها متوجة بالنجاح إن شاء الله، حزام أمن ومصدر طاقة لتحقيق طموحات البلاد العلمية والتنموية على يد أبنائها من الكفاءات المؤهلة للإسهام في نهضتها من الداخل إسهاما ًيغنيها أو يخفف إلى أجل اعتمادها على العمالة الخارجية المتخصصة علماً وتقنية وتطبيقاً.
د- يتم الآن تنفيذ صرح علمي جبار في مدينة الرياض سيضم شتات كليات البنات المتفرقة تحت سقف واحد يحمل اسم (جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن) وفي هذا استثمار سخي لمواهب المرأة السعودية وإثراء لاعتبارها، وتكثيف لقدراتها لخدمة وطنها.
ثالثاً: ارتفع سقف الإنفاق على مقاصد التنمية وبرامجها، وأسهم ارتفاع أسعار النفط الخام ومشتقاته في دعم قدرة الدولة وإرادتها في هذا السبيل، مستهدية بما أبرزته خطط التنمية من تصاعد في توقعات النهضة نحو رفاه المواطنين على كل الصعد.
ليس هذا فحسب، بل استثمرت أجهزة التنمية، وبتوجيه كريم، العوائد الفائضة من ميزانياتها السنوية للصرف منها على مشروعاتها المتعثرة تمويلاً أو المتعطلة تنفيذاً لسبب من الأسباب.
وبعد،
فقد عرض السرد السابق من هذا الحديث وباقتصاب شديد، أمثلة لمظاهر الانتفاضة التنموية التي تشهدها بلادنا الغالية في عهد أبي متعب الملك الإنسان، خلال فترة خمس سنوات فقط منذ تسلمه سرج القيادة وصناعة القرار، وغني عن القول أن المملكة قد بلغت، محلياً ودولياً، خلال هذه الفترة القصيرة كماً والمترعة انجازاً، مستوى رفيعاً من الصيت المطرز بالإنجاز السياسي والتنموي، بحيث باتت بلادنا بفضل من الله مركز ثقل وواحة للعقل والرأي السديدين يستهدي بهما ويستنير من إرادة البصيرة تغلباً على أمر من الأمور، ونشأ نتيجة لذلك حضور فاعل لها ولقادتها في كثير من المحافل، الإقليمية والدولية.
أسأل الله أن يحفظ لبلادنا عزها ورخاءها وسمو شأنها في ظل القيادة الحصيفة لسيدي خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده وعضده الأمين، وسمو النائب الثاني، أيدهم الله جميعاً بنصره وأزره وتوفيقه.