لماذا يغلبُ على الحوار بين ما يُسمى «السلفيون» وما يُسمى «الليبراليون» سمةَ التشنج؟! لماذا يأخذ التعاطي الفكري بينهم شكلَ العداء الشخصي؟! لماذا يريد كل فريقٍ أن ينسف الآخر من خارطة الوجود الثقافي والفكري والإعلامي؟! لماذا لم نسمع من أحدٍ منهم جملة:
- أنا أؤمن بوجودك وأحترم خطابك ولكني أختلف معه؟!
إن مثل هذا الحوار، لو استمر على هذا المنوال، فإنه سيزيد من حجم التقسيمات الفكرية في مجتمعنا التي نعاني منها منذ سنوات طويلة. وكلما نقول إن نار هذه التقسيمات بدأت تَخْفت، جاء من الخلافات الفكرية ما يؤججها مرة أخرى، على الرغم من وضوح الخطاب الرسمي الذي يحذر من هذه النار، وعلى الرغم من الحضور الواضح للقاءات السنوية للحوار الوطني. كيف يمكن إذاً أن نؤسس لوصفة ناجعة تكسر هذا التوتر، وتجعل المنتمين لهذين التيارين يجلسون على طاولةِ لغةٍ هادئة، يطرحون عليها كل اختلافاتهم بشكل ودِّي، دون مزايداتٍ ودون شعاراتٍ ودون إقصاءات؟! هل يمكن أن يتوصل أحدٌ لمركَّبات هذه الوصفة، أم سننتظر لكي يفعل الزمن فعلته كما فعل مع ما يُسمى ب «الحداثة» التي حارب مِن أجلها مَن حارب وعَارضَها مَنْ عَارض ثم ذابت هذه الحرب وذاب هذا الاعتراض، وصرنا نتعايش بتسامح مع الحداثة، ليس في الشعر والقصة والرواية فحسب، بل حتى في الفكر وفي التقنية الإلكترونية وفي تداول المعلومات المرئية وفي التعليم الإلكتروني. وصار أقطاب خلاف الأمس، أصدقاء وأحباء اليوم.