ليس ثمة ما يقلق الإنسان بحيث يجعله يتحدث مع نفسه بأكثر ما يقلقه أمر يتعلق بقيمه وثوابته، والناس في كثير بدأوا يجترئون على الثوابت، سلوكهم العام، وأفكارهم المعششة في أذهانهم، نمت فيها بذور ليست من التربة الخصبة التي أينعت كثيراً، وظللت مسيرة تاريخ طويل، وهم كلما شاءوا التقليل من شأن هذه الثوابت هاجموا كل من يتمسك بها ورموه بالسمات التي يخرجون أنفسهم منها؛ فهم تنويريون، متطورون, طامحون، عاملون، فاهمون، بانون، قادرون، مثقفون، وسواهم تقليديون، فاشلون، متخلفون، مظلمون، يأخذون بالركب للوراء، ولا يعملون للبناء، هم وحدهم الذين يصلحون للحياة.. وكثيراً ما وجدنا نتائج سالبة بدأت تطفو آثارها على أوسع رقع الأديم الذي يقف ويمشي فوقه الناشئة، تحديداً الناشئة؛ فالبنات حسرن عن جوف رؤوسهن كما فعلن عن ظاهرها غطاء الخجل، والأولاد نزعوا مع النخوة الكثير من مضامين الحياء، وما كان من قيم تعبق بها حركات نظائرهم من الجيل الذي سبق طمست بدعوى التطور ومجاراة العصر.., أي عصر الخير فيه شر، والتربية فيه إخلال، والثوابت فيه قشور تذروها الريح؟.. بينما لا ما يمنع من التحضر والتعلم والتدرب والتجديد والتحديث ومواكبة منجزات ونواتج العصر المفيدة في ضوء معادلة بين الأخذ وبين ما يمكن التفريط فيه بل القضاء عليه؛ فالأمية ليست فقط أمية في القراءة والكتابة، هناك أمية قلوب وأذهان وبصائر، وهي التي لابد من القضاء عليها بكل ما وفرته الحياة العصرية من أساليب وما هبت به ريح العولمة من نسائم، لكن يظل للمجتمع المسلم خصوصيته التي من الواجب قبل اللائق العناية بها ومراعاتها والتمسك بها، وأول أبجديات ذلك قيم الحياء وطهر النجع..
ألا يدرك القوم، أن التخلف والأمية والتراجع، والظلام والتخلف غربان تحوم بأجنحتها السوداء بدل هذا الإيهام بشحنات التنوير.. وأغلفة التحديث، وظنون التطور..؟