Al Jazirah NewsPaper Sunday  06/06/2010 G Issue 13765
الأحد 23 جمادىالآخرة 1431   العدد  13765
 

رحمك الله أبا عبدالرحمن
عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف

 

أمن المنون وريبها تتوجع

والدهر ليس بمعتب من يجزع

الإنسان مهما تطاول به الزمن على ظهر هذه الأرض يظل متعلقا بالبقاء فوقها باذلا ما في وسعه بأخذ الأسباب التي قد تكون سببا في مد أيام عمره - بإذن الله - فنجد البعض من البشر يشد الرحال يمنة ويسره، بل فربما يشخص إلى أقصى وأبعد أطراف الدنيا علّه يجد شفاء يبعد عنه شبح حضور شعوب الموكل بقبض أرواح جميع الخلائق، ولكن كل تلك المحاولات قد لا تجدي وقد أجاد الشاعر حيث يقول:

وإذا المنية أنشبت أظفارها

ألفيت كل (وسيلة) لا تنفع

وهكذا الدنيا حياة ثم موت، وهذه سنة الله في خلقه إلى يوم النشور، فبينما أبناء الفقيد عبدالله بن عبدالرحمن بن سعد الداود الذي رحل عنا إلى الدار الآخرة قبيل فجر يوم الأحد 2-6-1431هـ يترددون على بعض المستشفيات الكبرى في مدينة الرياض وإجراء الفحوصات اللازمة له، ثم رجوعهم إلى منزلهم بحريملاء خائبة آمالهم لعدم وجود أسرة لتنويمه هو وبعض المرضى المماثلين لحالته من أهالي حريملاء وغيرهم، ولك أن تتصور حال المريض وحال أسرته، وقد دب اليأس في نفسه وبين جوانحه عند تعذر الجهات المختصة لعدم وجود سرير له، ولسان حاله يلقي اللوم على وزارة الصحة التي منحتها الدولة - أعزها الله - كل الصلاحيات وكل الإمكانيات المادية والبشرية للرعاية الصحية لكل مواطن ومقيم..، ومع ذلك كله لم توفر أعدادا من السرر والغرف، وكأنه يردد في خاطره قول أبي الطيب المتنبي:

ولم أر في عيوب الناس شيئاً

كنقص القادرين على التمام!

ومعلوم أن كثافة السكان المتزايدة، واستقبال المستشفيات الكم الهائل من المرضى، ومن الحوادث المستمرة قد تكون مبررة لها..، ولكن كما يقال: (صاحب الحاجة أعمى لا يريد إلا قضاءها..!)، والأمل معقود في الله ثم في وزيرها المخلص - الذي أصبح مفخرة للوطن في تخصصه النادر: فصل التوائم - في بذل المزيد واستثمار ما خصص لوزارته من أموال طائلة تفوق الخيال بالتوسع في إنشاء مبان عملاقة للمصحات في كبريات المدن والمحافظات مع تزويدها بأطباء متخصصين مهرة..، لسد الحاجة، وتقليل الهجرة إلى المدن، وهذا مدرك لدى المسؤولين ولكنها حاجة في النفس بالتذكير:

إذا الحمل الثقيل توزعته

أكف القوم خف على الرقاب

ولقد أوشكنا في الخروج عن موضوع التأبين للراحل، ويعلم الله أنه عين الإخلاص، والرأفة بالمرضى، والحرص التام على السمعة المشرفة لهذا الوطن وأهله..، والحقيقة أن أبا عبدالرحمن الذي انتقل إلى رحمة الله ولاقى وجه ربه من الذين نشأوا في طاعة الله ومرضاته منذ صغره، حيث ختم القرآن الكريم وحفظ معظمه على أيدي المقرئين في الكتاب بحريملاء مع المحافظة على أداء الصلوات الخمس في أوقاتها، وكان يتعاهد حفظه وتلاوته ومدارسته مع شقيقه الأستاذ الفاضل محمد الذي سبقه إلى مضاجع الراحلين منذ عقود من الزمن - رحمهما الله -، وبعد ما كبر التحق بالأعمال الوظيفية بالضمان الاجتماعي في حريملاء فترة من الزمن، ثم انتقل إلى مندوبية تعليم البنات في نفس البلد حريملاء ومكث بها عدداً من السنين حتى تقاعد بقوة النظام، مع إمامته المصلين مدة تقارب الثلاثين عاماً..، وكان له صوت جميل أثناء تلاوة القرآن الكريم تلذ له الأسماع، فهو موهوب في سرعة الحفظ والفهم، وله بعض الإلمامات بعلوم المواريث، وأحكام الصلوات رغم عدم دخوله المدارس النظامية، ولكن ملازمته الحضور إلى المساجد التي تلقى فيها الدروس والمواعظ أكسبته تفقها في أمر دينه، وأضفت عليه السكينة والاطمئنان النفسي وهدوء الطبع، وحسن التعامل مع الكبير والصغير، فهو - رحمه الله - مضرب المثل في البر وصلة والرحم، والإعراض عما في أيدي الناس، فهو كما يقال (عاف كاف)، فلسانه رطب بذكر الله - جل جلاله -، كما أنه يحفظ كثيراً من أشعار الحكم والأمثال والنظم، فدائما يترنم بها مع أصحابه وفي خلواته..، فيجد في ذلك سلوة ومتعة لذيذة، ولقد كان لنبأ وفاته بالغ الحزن لدى أسرته وأبنائه وبناته، وإخوته وعارفيه.. لما يتصف به من سلامة صدر وحسن تعامل مع الجيران ومع أفراد مجتمعه، فمحبته متأصلة في نفوس الصغار و الكبار، كما أنه يؤنس جلساءه ببعض الطرائف الخفيفة، والحث على التواصل وقوة الترابط بين الأسر والأحبة، مذكرا لهم أن العمر ليس فيه متسع للتجافي والتباعد، فهو مقبول الإشارة والإيماءة التي يتفوه بها لصالح الجميع، ويقال إن آخر كلامه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله - جلت قدرته -، وقد اكتظ المسجد الجامع الكبير بالحي الجديد بمحافظة حريملاء بالمصلين عليه رجالا ونساء وأطفالا داعين المولى بأن يتغمده بواسع رحمته ويفسح له في مرقده بين الراحلين قبله، وأن يلهم ذويه وأبناءه وبناته وأخيه وعقيلته أم عبدالرحمن الصبر والسلوان (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ).

فاكس: 5260538

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد