Al Jazirah NewsPaper Sunday  06/06/2010 G Issue 13765
الأحد 23 جمادىالآخرة 1431   العدد  13765
 
في رثاء الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن العديان رحمه الله
د. طارق بن محمد بن عبدالله الخويطر

 

الحمد لله القائل (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء). قال ابن كثير (3-414): أي إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به؛ لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير العليم الموصوف بصفات الكمال، المنعوت بالأسماء الحسنى كانت المعرفة به أتم، والعلم به أكمل كانت الخشية له أعظم وأكثر.

والصلاة والسلام على رسوله القائل "إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا" قال النووي: هذا الحديث يبين أن المراد بقبض العلم في الأحاديث السابقة المطلقة ليس هو محوه من صدور حفاظه ولكن معناه أن يموت حملته ويتخذ الناس جهالاً يحكمون بجهالاتهم، فيضلون ويضلون. (شرح النووي على مسلم 16-223).

إن فَقْد العلماء مصيبة عظيمة تكوي القلوب، وتضرم الجوانح، وتسعّر الأجساد وتقطع الأجلاد، وتفتت الأكباد، وإذا ما خلت بلاد منهم حسبتها خاوية من كل شيء، ما بها صافر ولا زافر ولا أنيس، ولا عين تطرف ولا جفن يذرف.

إن أمة بلا علماء لهي أمة حائرة يخاف عليها الضلال، وينتظر فيها الشقاء والفناء.

وأدم البكاء على أناس لا يرون للعلماء حقاً، ولا يقيمون لأقوالهم وزناً، فكيف يطلبون السعادة والهناء، فالهمّ لا يزال ضجيعهم، والأسف أليفهم.

فُجعنا جميعاً بوفاة صاحب الفضيلة معالي الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن العديان الذي وافاه الأجل يوم الثلاثاء الثامن عشر من شهر جمادى الآخرة، وصُلّي عليه بجامع الملك خالد - رحمه الله - يوم الأربعاء، ودفن بمقبرة أم الحمام.

ولأن الشيخ عبدالله - رحمه الله - من المشايخ الذين تشرفنا بتدريسهم لنا في مرحلة الماجستير أحببت هنا أن أذكر شيئاً من صفاته - رحمه الله - وهذا شيء من حقه علينا فأقول: الشيخ عبدالله - رحمه الله - كانت له طريقة متميزة في التدريس؛ فقد درسنا سنتين في المعهد العالي للقضاء، وكانت طريقة شرحه أن يشرح أول الدرس ويفصل في الموضوع ويذكر الأمثلة والتطبيقات والقواعد والضوابط في الموضوع الذي يشرحه حتى إذا انتهى من الشرح وتأكد من فهم الطلاب للدرس فتح باب الأسئلة للطلاب فيجيب عما أُشكل عليهم بعبارة سهلة وجمل يسيرة، وكان أهم ما يميز درسه بعده عن الجمل الصعبة أو الكلمات التي قد لا يفهمها بعض الطلاب، وهو مع هذا التفصيل الميسر كانت أسئلة الامتحان عنده في غاية الوضوح بعيدة عن التعقيد واضحة المراد؛ لذا كانت مادة القواعد الفقهية من أرغب المواد عند الطلاب لما يجدونه من تيسير الشيخ لها في العبارات والأمثلة.

ثم هو مع هذا التيسير يسأل الطلاب عن سيرهم في المواد الأخرى، وأذكر أنه سأل الطلاب واشتكوا من صعوبة مادة أخرى وعجلة المدرس لها فصبرهم وذكر لهم طرق مراجعة هذه المادة رغم طولها، بل لما اقتربت الامتحانات ذكر لنا قاعدة مفيدة في الذاكرة وشرحها لنا باختصار فاستعملها الطلاب في المواد كلها واستفادوا منها. وحرصه هذا - رحمه الله - دليل على محبته لطلابه ومعاملتهم كأبنائه.

وأذكر أن أمثلة بعض القواعد كانت غير واضحة واستشكلتُ شيئاً منها فخطر على بالي أن أتصل به ليوضح لي هذه الإشكالات، فلما اتصلت به - رحمه الله - وعرضت عليه أول إشكالية وضحها لي بعبارة يسيرة فذكرت له أن عندي أمثلة أخرى غير واضحة فعرض علي - رحمه الله - الحضور، وتكفل بشرح جميع ما أُشكل.

ومما يتميز به الشيخ - رحمه الله - تواضعه وزهده وبعده عن الظهور وعن الفتاوى الشاذة التي تبناها البعض حباً في الظهور حتى وإن كان ظهوره منقصة له، أما شيخنا - رحمه الله - فكان لا يحب الظهور سوى في برنامج واحد إذاعي قديم، وهو مشاركته ببرنامج "نور على الدرب" الذي استمع إليه ما لا يحصى من الناس داخل المملكة وخارجها، وما عدا هذا البرنامج فلا تجده يظهر لا في الإعلام المرئي ولا المسموع ولا المقروء، وهذا كله دليل على زهده، حتى وهو في مكتبه في الإفتاء تجد حرصه الواضح في إبراء ذمته في الفتوى وعدم عجلته ومحاولة فَهْم السؤال كاملاً من السائل حتى يكون الجواب مطابقاً للسؤال، وعلى جلالة قدره وسعة علمه فهو أيضاً يقرأ أسئلة "نور على الدرب" قبل عرضها عليه، وهذا من حرصه - رحمه الله - على الإتقان في الفتوى وعدم الارتجال فيها.

وإعراضه عن الدنيا ظاهر في لباسه - رحمه الله - وعدم تكلفه فيه، وأذكر مرة بعد صلاة الظهر في مسجد الإفتاء ألقى سماحة الإمام عبدالعزيز بن باز موعظة في صفة الجنة وما فيها من النعيم، ولما انتهى من كلمته رأيت الشيخ عبدالله يمسح دمعاته وقد بدا التأثر عليه من موعظة سماحة الإمام.

ولما نقلت له بعض الأسئلة من بعض الإخوان في أمور مالية قدم لي نصيحة غالية أوضح لي فيها أن الدنيا هذه قصيرة لا تستحق من الإنسان أن يتنازل عن دينه ويتساهل في فتواه، بل عليه أن يرحل من الدنيا نقياً عفيفاً.

وعلى تقدُّم سنه - رحمه الله - ما كان ينصرف من عمله في الإفتاء إلا عند نهاية الدوام، وهو أثناء جلوسه مشغول بالفتوى عبر الهاتف، وبالفتاوى الشفهية واجتماع اللجنة الدائمة.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد