يعتبر التطوير العقاري كمصطلح ومهام صناعة جديدة إذا ما قورنت بصناعة البناء والتي وجدت مع وجود حاجة الإنسان إلى المأوى الذي يمثل السُّكنى (للنفس والجسد)، والتي تأتي في تصنيف احتياجات الإنسان قاعدة للهرم. ومع تقادم الزمن وتكاثر البشر وتطور التقنية وتغير معالم العصور وهويات الحضارات، أصبح المأوى ليس فقط محمية الإنسان بل هوية بحد ذاتها ورسالة تعبر عن قدراته وإمكاناته ومكانته. كل ذلك عمل على تعقيد صناعة البناء وتعدد أطرافها من مصممين وبنائين (مقاولو بناء) ومدراء مشاريع ومهندسين بمختلف المجالات والتخصصات ومسوقين وموردين وقانونيين وماليين وجهات حكومية وخاصة وممولين ومستثمرين وبائعين ومشترين وغيرهم. من هنا ظهرت معالم صناعة التطوير العقاري والتي تعمل ببساطة على ربط كل تلك الأطراف ببعضها البعض في سلسلة من الأحداث المتعاقبة ضمن جدول زمني محدد لتحقيق الهدف الرئيس وهو كما أوضحه ميلز وآخرون في كتابهم «مبادئ وخطوات التطوير العقاري Real Estate Development Principles الجزيرة Process» إعادة التأهيل المستمر لمحيط البناء بما يوافق احتياجات المجتمع.
وقد تعددت الآراء في تفصيل خطوات عملية التطوير العقاري، وفي الواقع تتحكم طبيعة المشروع ومعطياته وظروفه المكانية والزمانية في تحديد تلك الخطوات وترتيبها، فهناك من قسمها إلى أربع خطوات وآخرون إلى ثمانية وآخرون إلى ستة عشر إلى غير ذلك، وحتى لا نتشعب في الأمر ارتأيت أن أعرض عليكم برنامج الثماني خطوات للتطوير العقاري عله يفك طلاسم طبيعة هذه الصناعة ويوضح الفروق الرئيسة بينها وبين صناعة البناء. تبدأ عملية التطوير العقاري من مرحلة الإتيان بالفكرة وتعتبر هذه المرحلة في نظري أهم مراحل التطوير وتنبع عادة من الإدراك العميق للمطور للسوق وحاجات المجتمع ونضج الحس العقاري لديه والذي يُبنى بالعلم والخبرة، يقوم المطور في هذه المرحلة بعمل دراسات مالية أولية للتأكد من جدوى المشروع، ثم ينتقل إلى المرحلة الثانية وهي بلورة الفكرة وتحديد الموقع وعمل الدراسات المالية والتصاميم المبدئية عن طريق المكاتب المتخصصة، في المرحلة الثالثة يقوم المطور بتجهيز دراسات السوق والجدوى المالية النهائية والتصاميم التي تؤهله أخذ التراخيص اللازمة للمشروع، بعد ذلك ينتقل إلى مرحلة التصاميم النهائية والبدء بالتفاوض على عقود البناء وتحديد المقاول والتعاقد مع الممولين من بنوك وأفراد، وتأتي عندئذ المرحلة الخامسة بتوقيع العقود الخاصة بالمشروع من بناء وتمويل وتوريد وتسويق وغيرها، وخلال مرحلة البناء يقوم المطور بعمل المدير الذي يتابع سير العمل وفق الخطة الزمنية والمالية للمشروع عن طريق الإشراف الحقلي والمكتبي من خلال برامج محاسبية دقيقة ويقوم المطور خلال هذه المرحلة أيضاً بمتابعة التغيرات والمشاكل التي تطرأ على المشروع وحلها بأقل التكاليف المادية والزمنية الممكنة، ثم تأتي المرحلة السابعة في افتتاح المشروع والحملة الإعلامية له والتعاقد مع شركات إدارة المشروع وتسويقه والتأكد من جاهزيته للاستخدام، وفي نهاية المطاف وكمرحلة نهائية يقوم المطور بإدارة العقار ومتابعة تشغيله والمحافظة على قيمته وتسويقه بشكل مستمر لضمان أعلى نسب تشغيل.
ظهر النقص الكبير في شركات التطوير العقاري جلياً في المملكة بعد صدور لائحة صناديق الاستثمار العقاري من هيئة السوق المالية والتي نظمت عملية جمع الأموال والتمويل للمشاريع العقارية من خلال عقد شراكات إستراتيجية بين الشركات المالية والمطورين العقاريين، وفور صدور اللائحة بدأت الشركات المالية بالبحث عن شركات التطوير العقاري المحترفة في المملكة وفوجئت بشح كبير في السوق حيث أن أغلب الشركات العاملة في المجال العقاري إما مسوقو عقار أو مستثمرو عقار لشراء وبيع الأراضي أو مقاولو بناء، مما اضطر بعض الشركات المالية للاستعانة بشركات التطوير الخليجية والعالمية لسد تلك الفجوة في السوق السعودي، وظهرت أيضاً العديد من التساؤلات من لدن الشركات المحلية عن طبيعة صناعة التطوير العقاري ومعالمها. ومن الجدير بالذكر، أن جامعة الملك سعود وكخطوة ريادية في مجال العمل على رفع درجة الاحترافية في مجال التطوير العقاري، فقد بدأت بطرح برنامج ماجستير في التطوير العقاري بقيادة الدكتور خالد السكيت والذي يعود له الفضل بعد الله ولإدارة الجامعة لأن يرى هذا البرنامج النور وقد تشرّفت بأن أكون أحد طلبة أول دفعة له في العام المنصرم، ويقوم البرنامج بتوثيق علم التطوير العقاري واستعراض التجارب العالمية وإسقاطها على السوق السعودي وربط المنهجية العلمية بالخبرات العملية في قالب ممتع ومثر ومفيد، وأدعو بدوري المهتمين بهذه الصناعة بالإنخراط في هذا البرنامج كما أدعو باقي جامعاتنا السعودية بالاحتذاء حذو جامعة الملك سعود في إبداع مثل هذه البرامج التي اقتبست أهميتها من حاجات السوق المحلي.
عضو الجمعية السعودية لعلوم العقار