Al Jazirah NewsPaper Saturday  05/06/2010 G Issue 13764
السبت 22 جمادىالآخرة 1431   العدد  13764
 
مفارقات لوجستية
مدعي عام النزاهة ومكافحة الفساد
د. حسن عيسى الملا

 

تضمنت الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد في المملكة العربية السعودية عدداً من المبادئ، ولعلي أشرك القارئ معي في التعرُّف عليها تمهيداً لاستخلاص مفارقاتها.

1- يعدُّ الفساد ذا مفهوم مركَّب له أبعاد متعددة وتعريفات مختلفة، فيعدُّ فساداً كل سلوك انتهك أياً من القواعد والضوابط التي يفرضها النظام، كما يعدُّ فساداً كل سلوك يهدد المصلحة العامة، وأي إساءة استخدام للوظيفة العامة لتحقيق مكاسب خاصة، ذلك في القانون، أما في الشريعة الإسلامية الغراء فالفساد كل ما هو ضد الصلاح.

2- ظاهرة الفساد تشمل جرائم متعددة مثل الرشوة والمتاجرة بالنفوذ، إساءة استعمال السلطة، الإثراء غير المشروع، التلاعب بالمال العام واختلاسه أو تبديده أو إساءة استعماله، غسل الأموال، الجرائم المحاسبية، التزوير، تزييف العملة والغش التجاري.. إلخ.

3- انتهت الاستراتيجية إلى اقتراح بإنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد تتولى عدداً من المهمات على سبيل الحصر، تتمحور حول متابعة تنفيذ الاستراتيجية ورصد نتائجها وتقويمها، وتنسيق الجهود بين القطاعين العام والخاص، وتلقي التقارير والإحصاءات الدورية للأجهزة المختصة ودراستها وتحليلها، وجمع المعلومات والبيانات والإحصاءات.. إلى آخره.

المفارقة هنا أنه وعلى الرغم من وصف الاستراتيجية لأشكال الفساد بالجرائم إلا أنها لم تمنح هيئة النزاهة أي سلطة لمحاسبة المفسدين على جرائمهم، واكتفت باقتراح هيئة تعمل كمركز دراسات استراتيجية، دون سلطة أو أنياب تتصدى لهذه الظاهرة وتقضي عليها، وتركت أمر مكافحة الفساد للأجهزة الضبطية والرقابية والتحقيقية والقضائية الحالية التي ثبت فشلها في التعاطي مع هذه الظاهرة لتعدد تلك الأجهزة واختلاف مرجعياتها وعدم تخصصها وانشغالها بأمور غير حماية النزاهة ومكافحة الفساد.

لكل ما تقدم، ولأجل تطوير عمل هذه الهيئة لاجتثاث الفساد، أقترح:-

1- أن يصدر مرسوم ملكي بتأسيسها، وأن يتضمن نظامها نصوصاً صريحة في سلطتها بالتحقيق والتحري والادعاء العام نيابة عن الدولة أمام قضاء متخصص في جرائم الفساد، وأن تُلحق بها الأجهزة الحكومية ذات العلاقة.

2- أن يصدر قانون عقوبات خاص بجرائم الفساد، يتضمن تصنيفاً للجرائم التي وردت في الاستراتيجية وما في حكمها وما شابهها أكانت جنحاً أم جنايات، مع النص على حد أقصى وأدنى لكل جريمة.

3- يؤذن للمتضررين بالتدخل في دعاوى جرائم الفساد للمطالبة بالتعويض، وأن يتضمن القانون الاتجاهات الحديثة في العقاب مثل تحول المتهم إلى شاهد إذا أبلغ عن جريمة فساد قبل اكتشافها.

الجميع متفق على أن ظاهرة الفساد تستشري، وأنها ليست بحاجة إلى مركز دراسات استراتيجي بقدر ما هي بحاجة إلى جهاز مركزي بأنياب وأظافر يعري هذه الظاهرة ويكشف المفسدين، يدعي عليهم نيابة عن الأمة أمام القضاء ويردع غيرهم، يستحق أن يطلق عليه (مدعي عام النزاهة).



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد