حينما قدمت أوبرا قبل سنوات صورة السعوديات متلفعات بالسواد.. وهن يقطعن شارعاً مكتظاً بالسيارات التي يقودها الذكور.. بينما لا يسمح للمرأة أن تقود السيارة, هبّت الأقلام (المتحمسة والغيورة).. وهو الوصف الذي تبرر فيه كل الممارسات المتشنجة!!
هبَّت هذه الأقلام المحتسبة لمهاجمة أوبرا والتشكيك بنواياها الحاقدة على السعوديات.. وأن ذلك ناتج من سعيها الحثيث لإخراج الدرر المكنونة من صدفاتها!!
الصورة التي وردت في برنامج أوبرا هي الواقع ولم تزد عليها الكاميرا أي زوايا غير صادقة، فلماذا لا نحب صورتنا الحقيقية.. ولماذا لا نتباهى بها إذا كانت تستحق.. وإذا كنا مقتنعين بها فلماذا نعتبر تقديمها كما هي إساءة؟؟
فيلم شباب جدة الواقعي الذي قدمته إحدى القنوات الأمريكية وتبادله الناس عبر اليوتيوب أغضب البعض وقد شاهدته ورأيت فيه الواقع ونظرت إليه من زوايا إيجابية أجملها بما يلي:
- محاولة التغيير كانت سلمية وتعتمد على التفكير والوعي.. وهذه ميزة قدمت الشباب السعودي بمظهر حضاري سلمي.. مما يسهم في تغيير الصورة المتداولة عن الشباب السعودي خصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
- القدرة على التعبير عن الرأي والشعور بالطمأنينة بأن هذا التعبير هو حرية شخصية لا يلزم أن تستفز أحداً لأنها لا تتقاطع مع ثابت شرعي.. إنما هي تناقش ممارسات اجتماعية مرتبطة بالعادات والتقاليد، هذا يعطي مؤشراً للعالم على السقف الجيد للشفافية والتعبير عن الرأي.
- انضباط الشباب واحترامهم للقانون الاجتماعي ومحاولتهم الهادئة للتغيير من منطلق قناعاتهم ودون أن يسعوا كي يجعلوا من اختيارهم هو الصواب وغيرهم الخطأ، يظهر ذلك في الحوار والسيناريو للفيلم.. فالشاب الذي يمنعه حارس السوق من الدخول لأن الأسواق للعائلات ولا يحق للشباب الدخول، تحاور الشاب مع الحارس حواراً هادئاً والتزم في النهاية بالتعليمات.. وهو جانب إيجابي ومظهر حضاري.
- فاطمة الشابة التي تتساءل: لماذا ترتدي السواد وتحاول أن تصمم عباءات ملونة تحقق الاحتشام للمرأة.. لكنها تخلصها من ملامح الحزن والكآبة لا يحمل كراهية أو مقتاً، يأتي حوارها وتساؤلها في هدوء وسعي لتغيير غير صادم!
والعباءات الملونة هي حجاب السعوديات في الخارج حتى ممن يرتدين النقاب، وفي الداخل العباءات سوداء لكن الكثير من الألوان دخلت عليها، فما الضير من تساؤل فاطمة؟.. أو حتى محاولتها؟ وأجدها قدمت صورة عفوية وطبيعية لشابة سعودية محتشمة وتتفكر وتتأمل في واقعها، ليست مجرد فتاة تافهة استهلاكية تعيش على التناقض بين صورتين: مثالية في الواقع ومتفلتة من أي ضابط في الإنترنت.
- لا بد أن نقبل ما ورد في الفيلم من منطلق حرية التعبير وحق الشباب في طرح التساؤلات على مجتمعهم.
الجميل في الفيلم الواقعي أن الشباب أجمعوا في نهايته على أنه ورغم كل شيء فإنهم لا يتصورون حياتهم بعيداً عن وطنهم وتلك نهاية موحية ورامزة عن علاقة آسرة بين الشباب ووطنهم، يكفي أن ينقلها الفيلم.
فيلم الجزيرة العربية الذي عُرض في صالات لندن قبل أيام وقبلها بأشهر عُرض في أمريكا يقدم تاريخ جزيرة العرب والحضارات التي تناوبت عليها وجهود الدولة السعودية في إعمار الحرمين وخدمة الحجيج وأشياء أخرى جميلة نعرف أنها موجودة لدينا ونحب أن يعرفها عنا الآخرون، لكننا في نفس الوقت لا بد أن نعي أن السلوك الاجتماعي لا يمكن أن يستقر لأنه خاضع للمتغير الثقافي والاقتصادي للجيل الجديد الذي سيختار ويرسم حياته كما يريد هو ولا يفرضها على الآخر، لا بد أن نعيد النظر في حق الفرد ولا نجعله في كل الأحوال حتى بممارساته الشخصية خاضعاً لثقافة اجتماعية أحادية ترفض حق الغير في الحرية الفردية.
غياب صالات السينما السعودية تجعل شبابنا يقدمون أعمالهم في الدول الأخرى التي ربما قدموا لها ما تريد مستقبلاً، وسنظل نرفض السينما في الداخل.. بينما نتهافت على مشاهدة صورتنا في الخارج، والغريب أنها صورة لا تعجب بعضنا حتى لو كانت نسخة حقيقية عن ما يحدث في مجتمعنا، فهل نحب أنفسنا حقاً كما هي، أم أننا لا نشاهد الصورة كاملة؟.. وحين تأتي كاملة في السينما نعدها تعدياً ومحاولة لتشويهنا؟؟