معادلة معقدة تربط المستهلك بالهيئة وشركة الكهرباء، لا يمكن إرضاء أحد أطرافها دون الإضرار بالآخر؛ فارق كبير بين الضرر المؤقت الذي يقود إلى تحقيق منفعة عامة متوافقة مع خطط إستراتيجية محكمة، وبين ضرر يزيد الأعباء، ويعجز عن تحقيق المصلحة المتوازنة.
كتبت عن زيادة رسوم إيصال التيار الكهربائي المفرطة للمباني المحتوية على ست وحدات فأكثر، ولم أجد صدا لما كتبت، ربما لأن الضرر وقع على شريحة محدودة من الملاك، وهو ما أعتقده الكثير، دون تمعنٍٍ في الضرر المباشر الذي انتقل من ملاك المباني التجارية إلى المستأجرين، وبسرعة توصيل أسلاك النحاس للكهرباء.
جاء الدور على الصناع، فصمتهم المطبق على التعديلات الأولى، وهم النافذون، جعل من أمر تطبيق التعرفة الجديدة عليهم غاية في السهولة!. وطالما أنهم لم يتعاطفوا مع إخوانهم المستهلكين البسطاء، وملاك المباني المتضررين، فقد قبلوا دون أن يُدركوا بتلقي صدمات (تسونامي الكهرباء) التي لن تتوقف عند قطاعهم الصناعي المدلل الذي يحظى بالدعم، التمويل الحكومي، الإعفاءات، والتسامح لما يحدثه من أضرار بيئية قاتلة.
الصناع شنوا حملة مضادة على الهيئة خلال الأيام الماضية مستغلين المحطات الفضائية، والصحف لتوضيح وجهة نظرهم التي يعتقدون أنها الصحيحة والأكثر فائدة للاقتصاد!!. بعضهم قبل بتعرفة منطقية، شريطة تجزئة المستهلكين بحيث يتحمل القطاع الصناع تكلفة الاستهلاك المربح لشركة الكهرباء، الخاص بقطاعهم، على أن تُحمل القطاعات الاستهلاكية الأخرى مسؤولية تدني الربحية، أو ربما الخسارة المرتبطة بهم!، في الوقت الذي رفض فيه البعض الآخر قبول أي تغيير في التعرفة التي يعتقدون أنها مُضرة بالقطاع الصناعي. سبق السيف العذل؛ ويُفترض إلا يحول ذلك السبق دون إصدار المتضررين لبعض أصوات الألم، وصيحات التهديد الفارغة.
هيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج دخلت في مواجهة مع الشركة السعودية للكهرباء على خلفية تقديرات الهيئة لاستهلاك النفط في إنتاج الكهرباء، ولو كنت في موضع المهندس علي البراك لفكرت كثيرا قبل أن أقدم على تلك المواجهة. فالهيئة تسعى إلى تبرير التعرفة الجديدة، وهي تحتاج إلى دعم تلك التوجهات بحقائق تقنع المتلقي بنجاعة قرارها المنتظر، وهو في النهاية يزيل كثير من الحرج عن كاهل شركة الكهرباء، من وجهة نظر خاصة.
هيئة تنظيم الكهرباء تقوم بدور إيجابي في وضع إستراتيجية متكاملة لقطاع الكهرباء بما يضمن فتح السوق، توفير الطاقة الكافية وفق دراسات الاحتياج لعقود قادمة، وقياس التعرفة وتحديدها. الأكيد أن قطاع الكهرباء يعاني من معوقات كثيرة، إلا أن التركيز على معوق الدخل بمعزل عن المبالغة في المصروفات يحتاج إلى إعادة نظر. فتعظيم الدخل لا يعني بالتبعية تحقيق الربح، فالأرباح يمكن تحقيقها أيضا من خفض المصروفات دون التعامل مع متغير الدخل. فشركة الكهرباء تعاني من ترهل مالي تتعاظم فيه المصروفات، وتكلفة المشروعات، والفاقد المالي بسبب التجهيزات والمعدات التي لا تستطيع الصمود وفق عمرها الافتراضي المُسجل في عقود الشراء!، إضافة إلى مشروعات ضخمة تكلفة الشركة الكثير في الوقت الذي يكون عائدها للوطن وللشركة محدودا جدا، ما يجعل أمر إعادة الهيكلة المالية، تشديد الرقابة، وقياس الكفاءة المالية، وجودة المشروعات مقدم على ما سواه من اقتراحات، وهو في نظري السبب الرئيس للعجز المتراكم، ومن ثم يأتي متغير الدخل. هناك أهداف وطنية تسعى الهيئة إلى تحقيقها بعد حصولها على دعم ولي الأمر، شريطة تحقيق التوازن الذي يحقق المصلحة العامة دون الإضرار بالمواطنين. تعرفة الكهرباء تمس مصالح المواطنين، وتهمهم جميعا، وتأثيرها السلبي يعني زيادة في أعباء المستهلك البسيط، وإن وجهت الزيادة للقطاع الصناعي أو خصصت لشرائح دون أخرى، ما يستدعي أخذ الحيطة والحذر قبل الإقدام على تغييرات سعرية جوهرية لا يُراعى فيها مصلحة المستهلكين.
من حق الهيئة مراجعة التعرفة إذا كانت تجزم بأن الزيادة ستحقق توفير الطاقة الكهربائية وفق المعايير العالمية، وحين طلبها، دون انقطاع أو تأخير في إيصال الخدمة، إلا أن ذلك الحق يجب أن يقترن بحق المستهلك البسيط في الحصول على الخدمة وفق تعرفة مقبولة لا تزيد من أعبائه المالية، ولا تؤثر في نسب التضخم، وتأخذ في الحسبان مقدرة الدولة المالية، وحقوق مواطنيها، الفقراء، ومحدودي الدخل منهم على وجه الخصوص، ومن حقه أيضا مساءلة الهيئة عن دورها في مراجعة نفقات شركة الكهرباء وفق معايير الجودة والمحاسبة الدقيقة، خاصة وأن سوء الإدارة المالية هو ما دفع الهيئة نحو المستهلكين لسداد عجز شركة الكهرباء المتراكم الذي يُعتقد أن سببه الرئيس قصور في الإدارة لا الدخل!.
***
F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM