«إن من يملك المعرفة يمكن له أن يملك ناصية القرن الحادي والعشرين وأفضل طريقها لا امتلاكها هي صنعها»
بدأ اقتصاد المعرفة بالتطور بقوة منذ عقد التسعينيات، فأحد أسرع القطاعات الاقتصادية نمواً في العالم هي قطاعات المعرفة المكثفة، ولكن الجانب الأهم هو أن المجتمعات المختلفة وحكوماتها أخذت تتلمس أهمية المعرفة؛ لصنع الثروة، وهذا يدل على أن هناك توجهاً عالمياً واضحاً نحو تبني المعرفة كخيار أساسي في بناء الاقتصاد، إذاً سيكون المجتمع مجتمعاً معرفياً بالدرجة الأولى، وستكون المعرفة هي المصدر الرئيسي للقوة والنجاح، وستسيطر مجموعة الموظفين الذين يتمتعون بأكبر قدر من المعرفة على مجموعة العمل بشكل عام ويحددون ملامحه.
وسيعتمد اقتصاد المعرفة على هؤلاء الذين يتمتعون بالمعلومات والمعرفة الواسعة» المثقفون» كالمهندس، والمحامي والطبيب والمحاسب والمدرس وغيرهم، لكن النمو الأكبر سيكون في مجال تكنولوجيا المعرفة ليشمل فنيي ومبرمجي الكمبيوتر، ومحللي المعلومات، وكل ماله علاقة بالمعرفة من قريب أو بعيد.
هؤلاء الأشخاص يعملون فترة طويلة بأيديهم، لكن هذا العمل اليدوي سيكون مبنياً على معلومات نظرية وفيرة مخزنة في عقول المتخصصين، وهي معلومات يمكن اكتسابها فقط بالتعليم الرسمي. وبهذا سيصبح» فنيو المعرفة» القوة الاجتماعية، وربما السياسة، المسيطرة في العقود القديمة.
بالفعل، بدأ المجتمع القادم بالظهور، وهو يأخذ اليوم اتجاهاً جديداً، فقد شهد القرن العشرين هبوطاً حاداً في قطاع الزراعة الذي ظل مسيطراً على المجتمع عشرة آلاف عام. وبلغة الأرقام، يعادل إنتاج المزارع الآن 4 أو 5 أمثال إنتاجها قبل الحرب العالمية الأولى، لكن بعد عام 1913 سجلت المنتجات الزراعية 70% من التجارة العالمية، أما اليوم فهي تشكل أقل من 17 %!
نفس الشيء يحدث في القطاع الصناعي، بلغت قيمة عائد المنتجات الصناعية إلى قيمة وكمية المنتجات المعرفية خمس أو سدس ما كانت عليه منذ خمسين عاماً! كذلك تراجعت العمالة الصناعية في الولايات المتحدة من 35% من إجمالي العمالة في الخمسينيات من القرن الماضي، إلى أقل من نصف هذه النسبة مع بداية القرن 21. وكما أفرز تدهور القطاع الزراعي ما يسمى بسياسة الحماية الزراعية، سيؤدي تدهور القطاع الصناعي إلى تدهور» سياسة الحماية الصناعية» والتي ستتمثل في وضع قوانين وقواعد للتجارة تضمن التدفق بل والحماية لبعض الصناعات إذا تطلب الأمر، وهو ما يحدث بالفعل من قبل تكتلات أو شراكات عديدة في العالم الآن كالاتحاد الأوروبي مثلاً. من الناحية الإحصائية، تلعب الشركات متعددة الجنسيات دوراً مماثلاً في الاقتصاد العالمي كما فعلت عام 1913م، فقد كانت شركات محلية تركز على السوق الداخلي، أما الآن فهي تغزو العالم منتجاتها وخدماتها، وكانت محكومة من قبل مالكيها، أما شركات عام 2025م، فسوف تحكمها الإستراتيجيات؛ لأن القواعد والضوابط الجديدة ستحد من سيطرة وحركة المالك، بالإضافة إلى الشراكات وسياسات الاندماج، حتما ستحتاج تكل الشركات إلى نوع جديد من الإدارة.
في معظم الدول والشركات العملاقة ترى الإدارة المتميزة نفسها امتداداً للإدارة العاملة، ولكن الإدارة المتميزة ستصبح قسماً منفصلاً ومستقلاً بذاته ليكون بمثابة دعامة وقائية للشركة، وسيكون من أهم وظائف تلك الإدارة المتميزة الموازنة بين المطالب المتناقضة.
فما الذي يمكن لإدارة المعرفة أن تحققه لمجتمعنا لإرساء أسسه كمجتمع معلوماتي قادر على منافسة المجتمعات الأخرى؟» الجواب على هذا التساؤل يتطلب منا إلقاء نظرة متفحصة على الذي استطاعت المجتمعات المتقدمة أن تحصل عليه نتيجة للإدارة الفعالة للمعرفة، لقد وفرت إدارة المعرفة الكثير من الفرص للمنظمات في المجتمعات المتقدمة لتحقيق تقدم تنافسي من خلال ابتكارها لتكنولوجيات جديدة، ووسائل إنتاج جديدة، وأساليب عمل جديدة ساهمت في تخفيض التكاليف وبالتالي زيادة الأرباح، وكل ذلك دفع إلى خلق ما يسمى بصناعة المعرف (knowledge industry) التي أصبحت اليوم موضوع الساعة لقطاع الأعمال في المجتمعات الأكثر تقدماً صناعياً.
ويمكن لمجتمعنا أن يستفيد من إدارة المعرفة من خلال أسلوبين هما: التقاسم الأفضل للمعرفة، وصنع معرفة جديدة وتحويلها إلى منتجات وخدمات وأساليب ذات قيمة، والأسلوبان، كما هو واضح، يعتمدان بشكل يكاد يكون تاماً على تكنولوجيات المعلومات التي ستتم الاستفادة منها بشكل مكثف في المجتمع، وهذا ما سيسهم بالتالي في إرساء أسس المجتمع المعلوماتي القادر على النمو والتقدم.
alaidda@hotmail.com