الولايات المتحدة (تأسف) لسقوط ضحايا أسطول الحرية، والاتحاد الأوروبي (مصدوم) للغارة الإسرائيلية على هذا الأسطول المدني الأعزل الذي يحاول فك الحصار الجائر
على غزة بتقديم المساعدات الإنسانية والطبية والمعونات الإنشائية في ظل تقاعس عربي وتهاون دولي على جريمة يومية تتم بتجويع شعب أعزل كل ذنبه أنه رفض الخضوع لدويلة الكيان الصهيوني، هكذا تم التعامل مع مذبحة الأسطول (أسف وصدمة) وليس (إرهاب دولة) أو (قرصنة دولية) أو (جريمة لن تمر دون عقاب). الأسف الأمريكي والصدمة الأوروبية هما موقف استهلاكي معتاد لا يخرج عن أدبيات الدبلوماسية الخجولة، رغم أن الجريمة وقعت أمام أنظار العالم ب(قتل 20 مدنياً). قتلى قافلة الحرية الأبرياء لم يحركوا ضمير المؤسسة السياسية الغربية نحو الإدانة والاستنكار على أقل تقدير، فضلاً عن فرض عقوبات على إسرائيل، لكونها الدولة الوحيدة التي تعبث بالقانون الدولي وتمرق من كل الأعراف الدولية والشرائع الإنسانية.
بيان (الأسف) الأمريكي وتعبير (الصدمة) الأوروبي هما تعبيرحقيقي للموقف الغربي (التاريخي)، فهذا الغرب المتحضر ليس جاهلاً بهذه الدولة المجرمة فهو من زرعها في خاصرة أمتنا، ومن ثم زودها بكل أسباب الحياة والبقاء والتفوق العسكري النوعي على المحيط العربي، كما أنه يُدرك أن جرأة هذه الدولة المارقة مرتبطة أساساً بالدعمين السياسي والدبلوماسي اللذين تتلقاهما في المنظمات الدولية والمحافل العالمية، فمنذ بدايات تأسيس هذا الكيان الغاصب مع وعد بلفور اللعين عام 1917م، ومن ثم إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1947م، وإلى يومنا هذا، وهو يمارس القتل والتشريد والإبادة المنظمة والاستيطان السرطاني وتغيير معالم الأرض وحقائق التاريخ في حق فلسطين وأهلها، مع ذلك لم يصدر ضده أي قرار دولي بعقابه أو تأديبه.
أكثر من (60 عاماً) والغرب المتباكي على حقوق الإنسان يشارك في سحق الإنسان الفلسطيني بيد الآلة العسكرية الإسرائيلية، التي أراقت أيضاً الدم المصري والسوري ولم يسلم منها الدم اللبناني. بل إن الغرب لم يتورع عن العبث بشهادات التاريخ وقلب حقائق الواقع إمعاناً في تمرير المشروع الصهيوني، لدرجة أن أطفال الحجارة صاروا في إعلامه وتصريحاته السياسية (إرهابيين)، بينما شارون بسجله الإرهابي الأسود (حمامة سلام)، لذلك من الطبيعي أن تقف الحكومات الغربية عند حدود الأسف ومجرد الصدمة ل(مجزرة الحرية) على سواحل غزة الأبية، في مقابل كل شرفاء وأحرار العالم الذين أدانوا الجريمة وطالبوا بعقوبات رادعة وفك حصار غزة.
لكن السؤال العابر: لماذا تقف الحكومات الغربية (أمريكية وأوروبية) هذا الموقف البارد وكأنها شاهد زور، وهي ترى أعمال إسرائيل الإجرامية التي تتناقض تماماً مع القيم الإنسانية التي يتبناها عالمها، ومبادئه الحضارية التي يعلنها؟. السبب أن العالم الغربي في (مأزق حقيقي) بشأن وجود إسرائيل اليوم بسبب (مسئوليته التاريخية)، فلا يستطيع أن يتخلص من هذه المسئولية أو يشطبها من ذاكرة التاريخ الإنساني، ولا يستطيع تحجيم سياسة إسرائيل ووقف جرائمها العسكرية وعملياتها الإرهابية بحكم علاقات استراتيجية ومصالح مشتركة، لذلك يعمد إلى تبني خيار ما يسمى (السلام) وفق الرؤية الصهيونية، في ظل فرصة ذهبية قائمة بتشرذم العرب وضعف نظامهم الرسمي، خاصة ً بعد سلسلة حروب خسرها العرب أمام إسرائيل، كما أن الغرب - أخلاقياً - لا يستطيع أن يسكت عن جرائم إسرائيل مراعاة ً لشعوبه المتضامنة مع الحقوق الطبيعية للفلسطينيين، فكان إعلان (الأسف) وتعبير (الصدمة) هو موقف المنتصف بين الأطراف، مع محاولة التشكيك بسبب وقوع المجزرة، من خلال الدعوة لإجراء تحقيق عن الأحداث وكأنها غائبة عن الأعين، وفتح المجال الإعلامي لتسويق وجهة نظر الحكومة الإسرائيلية، التي جاءت على لسان نتنياهو بأن جنودها كانوا يدافعون عن أنفسهم ضد أفراد قافلة الحرية الذين بدؤوا بالاعتداء، لمواجهة الاحتجاج العالمي وتخفيف الضغط الدولي عن إسرائيل، لكن أحد الأشرطة التي صورت الواقعة أثبتت أن الكوماندوز الإسرائيلي هم أول من بدأ بالاعتداء والضرب، وبهذا يستمر مأزق الغرب الواقعي بمسئوليته التاريخية، كما يستمر مأزق العرب بين خيار السلام وحق المقاومة.
Kanaan999@hotmail.com