Al Jazirah NewsPaper Saturday  29/05/2010 G Issue 13757
السبت 15 جمادىالآخرة 1431   العدد  13757
 
مفارقات لوجستية
القارة العجوز تترنَّح
د. حسن عيسى الملا

 

الرجل المريض كان اللقب الذي أُطلق على تركيا قبل وأثناء الحرب العالمية الأولى بعد أن تفككت على يد أوروبا الإمبراطورية العثمانية التي كانت تمتد من الخليج العربي وحتى وسط أوروبا.

هذه القارة الأوروبية التي فككت الإمبراطورية العثمانية عاشت عقوداً من النمو الاقتصادي معتمدة على الثروات الطبيعية في مستعمراتها الممتدة على مساحة الكرة الأرضية، وتوّجت نموها الاقتصادي باتحاد نقدي وعملة نقدية سُميت باليورو بدأت بأقل من سعر الدولار الأمريكي ثم تفوَّقت عليه تدريجياً إلى أن لامست أكثر من الدولار والنصف لليورو الواحد.

الخطأ الذي ارتكبته دول شمال أوروبا الغنية، هو أنها ضمت إليها دولاً أوروبية فقيرة تقع في جنوب القارة، لأسباب جغرافية لا علاقة لها بأي مميزات اقتصادية، أو حتى تقارب في الدخول القومية، مما حدا بدول شمال أوروبا من باب الاحتياط أن تضمّن الاتفاقية الأوروبية بنداً يحظر تقديم مساعدات مالية للأعضاء.

ولما كان فاقد الشيء لا يعطيه، فلقد تراكمت الديون السيادية على دول جنوب أوروبا بسبب الدخل القومي الضئيل في مقابل الانفتاح الكلي على منتجات دول الشمال، وحلول اليورو محل العملات المحلية، مما رفع من مستويات التضخم في دول الجنوب وأدى إلى ما يُسمى بالإفقار السلبي لشعوب تلك الدول.

الفقاعة الأولى انفجرت في اليونان، ومن المتوقّع أن تنفجر فقاعات أخرى في البرتغال أو إسبانيا وحتى إيطاليا وصولاً إلى إحدى دول الشمال وهي إيرلندا وربما عدد من دول أوروبا الشرقية التي انضمت حديثاً للاتحاد الأوروبي، وانهار (اليورو) الذي أصبح في زمن قصير الملاذ الآمن لكثير من الدول، رغم محاولات البنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي تقديم القروض السيادية لليونان ومعها دول شمال أوروبا التي جمّدت النص الذي يحظر تقديم المساعدات المالية للدول الأوروبية المتعثِّرة لتفادي ما هو أعظم.

المفارقة أن الولايات المتحدة كانت تضغط على الصين لرفع قيمة عملتها، للحد من قدرتها التنافسية في التجارة العالمية، فجاءها منافس جديد حليف لها في أوروبا، إذ إن انخفاض اليورو في مقابل الدولار سيزيد من صادرات أوروبا إلى العالم على حساب الصادرات الأمريكية التي لم تشف بعد من الكارثة المالية العالمية.

تتوالى الكوارث على النظام المالي الرأسمالي ويعجز هذا النظام عن التوفيق بين مصالح الدول الرأسمالية، وليس من المعروف في أي اتجاه ستسير الولايات المتحدة الأمريكية، فهي إن دعمت دول (اليورو) لتقيها من التفكك كما هددت بذلك فرنسا، قد تقوّي بذلك منافساً لها تجارياً على الساحة الدولية، وإن هي تركتها تنهار أثَّر ذلك سلباً على صادراتها إلى السوق الأوروبية.

ترى إلى متى سيتمكّن الاتحاد الأوروبي من تقديم الدعم المالي لاقتصاديات أعضائه خاصة إذا انفجرت فقاعات أخرى في سماء اقتصاده.

أتمنى أن تصمد أوروبا، وأن يبقى التوازن الحالي رغم هشاشته وألا يحل مسمى (الرجل المريض) محل مسمى (القارة العجوز) وتلقى أوروبا بذلك مصير الدولة العثمانية.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد